الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

خواره يملأ الكون

ريما لبّان
خواره يملأ الكون
خواره يملأ الكون
A+ A-

في حضرة الفجيعة والتفجّع، يتلاشى الكلام ويضمحلّ ويتسطّح الخطاب ويتقزّم أمام حجم الويل ومدى الهول ومبلغ الألم.

انفجرت المدينة. تطايرت بما فيها، بمن فيها، وتشظّت وتبعثرت. تناثروا وتمزّقوا وتقطّعت أوصالهم وتشبّعت عيونهم وآذانهم وجلودهم بمشاهد وصور وأصوات وجلجلة هي الحد الفاصل بين اليقظة والمنام، بين الواقع والخيال، بين الوعي واللاوعي، بين الحياة ونهاية العالم، بين الرشد والجنون!

تصدّعت البيوت الجميلة العتيقة، وتجوّفت وتفرّغت وتداعت. وتصدّعوا وتزعزت ثوابتهم وتصدّعت إنسانيتهم وهي تمارس أبسط تجلياتها في حياتها اليومية من أجل البقاء.

أكثر من الهلع، أشدّ من الغضب، أبلغ من الوجع! مرتاعين، ملوّعين، عويلهم بات عواء، ونحيبهم نباحا. في مساحة ما بعد الحياة وبعد الموت، بعد الذهول وبعد القبر، في قيامة هستيرية، يتضرّعون مُضرّجين، شاحبين، شاخصين أو جاحظين، يصرخون يتوعّدون ثم ينصرفون ليزفّوا أحباءهم في توابيت مزهرة، معطّرة متدثرة بالأرزة إلى مثواهم الأخير.

الضربة تلو الضربة يسدّدها الحاكم الغاشم في خاصرة المواطن، كما في مصارعة الثيران. يغرز العصيّ الواحدة تلو الأخرى في ظهره المدمّى، ويناحره ويستفزّه ويهيّجه فيتألّم ويهتاج ويركض وراء سراب.

تراوده فكرة الرجوع من حيث أتى لهدنة فقط، ليلتقط أنفاسه أو ليستريح. لكنهم أحكموا الطوق وسدّوا مداخل الحلبة وأغلقوا المزاليج ومضوا في مشروع قتله السّادي الوحشي المتعمّد الممنهج، على أيدي المصارعين البهلوانيين.

يتغطرس المصارعون السفهاء ويضحكون ويصفّق أتباعهم ويهتف هواتهم ويختال أسيادهم على المدرّجات، والثور كليمٌ، مهانٌ، محاصَرٌ، غاضبٌ، ثائرٌ، منهكٌ، مذهول.

خواره ملأ الكون!

ممتلئ بمأساته، مدجّجٌ بجراحه، مضرّج بدمائه، يستجمع قواه، يصوِّب في جولة أخيرة ناحية جلّاده من أجل بقائه واسترداداً لكرامته وإكراماً لبيروت والأبرياء ومن أجل خلاص لبنان.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم