الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

هالة صباغ الطياح...

ميشيل تويني
ميشيل تويني
هالة صباغ الطياح...
هالة صباغ الطياح...
A+ A-

فكرت كثيرا قبل كتابة اول مقال بعد مجزرة بيروت لاني للمرة الاولى اكتب وامحو المقال مرات عدة ولا اجد كلمات تكفي للتعبير ... لا يمكنني ان اصرخ من الوجع عبر كلمات مكتوبة لان المفردات التي اعرفها في اللغة العربية لا تكفيني لأعبر عن حجم الاسى والسخط مما رأيته.

انا ابنة بيروت رأيت مدينتي مرمدة مملوءة دماء، رأيت شعب لبنان مشردا دون سقف دون منزل وينزف على الطريق ...

رأيت مجزرة بحقنا المسؤول عنها هو كل فاسد فاشل مجرم حاكم في هذا البلد.

لكن لا اريد ان اتكلم عنهم اليوم سيأتي دورهم. وهذه المرة اذا لم نحاسبهم فلن يليق بنا اي وطن ... هذه المرة الجرح اكبر بكثير من ان يتحمل منطق الغفران، هذا مستحيل ....

اليوم اكتب عن صديقتي هالة صباغ الطياح. هالة شهيدة انفجار مرفأ بيروت الذي تسبب به مجرمون يحكموننا. هالة ام لثلاثة اولاد خسروا والدتهم.

اكتب عنها لان قصتها قصة مئات الشهداء الذين رحلوا يوم 4 اب ...

هالة كانت مصممة جواهر وهي التي صممت خريطة لبنان التي نضعها حول عنقنا وتصل الى قرب قلبنا وقد كتبت: اترك لبنان قريباً من قلبك.

لكن لبنان وحكام لبنان اوقفوا دقات قلب هالة بدقيقة لا مبالاة واجرام وعدم مسؤولية.

منذ سنة التقيت بهالة وطلبت منها ان تصمم قسم جبران تويني لكي يبقى حول معصم او عنق كل من احبه. وانا اتكلم معها عن المشروع رأيتها تمسك ورقة وتبدأ الرسم وعيناها تملأهما بالدموع ... وما ان انهيت فكرتي حتى كانت انهت الرسم وقالت لي : جبران الذي بكيت يوم استشهاده كثيرا، انا سعيدة بتصميم شيء لذكراه.

لم اكن اتصور يا هالة انه بعد سنة ساكون انا من ابكي على استشهادك. في كل دقيقة افكر بك اشعر انني مذبوحة لان من يحب لبنان ويمثل وجه لبنان الجميل يموت على يد الجهل والاجرام والمافيا.

يا هالة، لماذا رحلت بهذه الطريقة؟ لا يمكننا ان نحتمل المزيد.

اكتب عن هالة لاني اعرفها، لكني اكتب عن كل مواطن استشهد على يد الدولة الفاشلة، اكتب عن كل رجل مسن استشهد في منزله لانه فقط لبناني .... اكتب عن كل شاب وشابة قررا العودة او البقاء في لبنان رغم المشاكل الاقتصادية والصحية فماتوا غدراً في شوارع بيروت .

اكتب لكل ام فقدت ولداً ولكل شخص خسر حياته لاقول حزنكم حزننا.

اكتب لكل جريح يتألم ولكل شخص خسر رزقه او منزله جراء عدم وجود دولة لاقول ان الجرح كبير وهذه المرة يجب الا نرحم.

يجب الا نرحم من قتل هالة الطياح ومن قتل ممرضين في مستشفى الروم ومستشفى الجعيتاوي . يجب الا نرحم من قتل الام امام اطفالها وتسبب بموت شباب الدفاع المدني . يجب الا نرحم من قتل اهل بيروت وما زال يفتش عن تبرير او عن كبش المحرقة بدل اعترافه بفشله.

مهما كان صعبا مشهد مبنى "النهار" مدمرا والمنازل تحت الركام ومهما صعب مشهد الجرحى فالاصعب مشهد هالة المفعمة بالحياة محمولة بنعش لان ذنبها انها لبنانية واحبت لبنان وصممت من اجله وحملت تصاميمها الى الخارج. مشهد هالة محمولة كما مئات الشهداء تكفي لاسقاط نظام بكامله لاننا شبعنا المآتم ، شبعنا من خسارة عائلتنا واصدقائنا ومن نحب.


حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم