الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

إنّ الثورة تولد من رحم الأحزان

المصدر: النهار
كريم صلاح الدين
إنّ الثورة تولد من رحم الأحزان
إنّ الثورة تولد من رحم الأحزان
A+ A-

سبق للطّقم الحاكم أن حاول مرارًا وتكرارًا إلهاء اللبنانيّين عن مشاكلهم وحقنهم بالمنوّمات بهدف كسب وقت إضافيّ، لا للإصلاح وإنّما لنهب ما تبقّى من خيرات البلاد. ومهما صحّ القول بأنّ الموسيقى هي اللّغة العالمية، فالعبرة تبقى في الأهداف القابعة وراء عزفها والرّسالة المرافقة للّحن. والأكيد أنّ مقاربة النّاشطين لحفل بعلبك وتشبيهه برثاء لبنان، كان صائبًا؛ فمهما علت أصوات الموسيقى لا يمكن لها أن تستُرَ فظاعة جرائم ارتكبها حكّام البلاد، ولن تستطيع تأمين رخاء العيش، حتّى أنّها باتت عاجزة عن بعث الأمل في قلب شعب سلب زعماءُ اليوم حتّى ذلك منه، فجعلوهم ناسًا بلا هدف ولا طموح، يعيشون أيّامهم لأنّهم ببساطة ما زالوا على هذه الأرض. وها هم اليوم قد فاجأونا من جديد باحتفال موسيقي بمناسبة الذكرى الـ٧٥ للجيش اللبنانيّ، فحضر فنّانون كثر لإحياء الحفل الّذي يأتي في وقت يمرّ فيه لبنان بأصعب أزماته، حتى إن المؤسسة العسكرية عينها لم تسلم منها، فغلاء الأسعار الفاحش حرمها من اللحوم في وجباتها، هي الّتي تسهر على حماية أمن الوطن واستقلاله وسيادته في بقعة جغرافيّة وُلدَت ولا تزال حتى اليوم "على نار حامية". ولا يزال هناك من ينعم بلوم ثورة ١٧ تشرين على ما آلت إليه الأمور، والحقيقة أنّ ١٧ تشرين كشفت المستور وسرّعت من وتيرة التّدهور بشكل سمح لأصحاب القرار بكسب الوقت والاستفادة مما بقي من موارد قليلة لإدارة الأزمة والنهوض بالبلاد، لكنّهم فضّلوا سياسة "الترقيع" و"التمليس" على حساب المصلحة العليا، والنّتيجة ستكون حتمًا الدمار الشّامل طالما أنّ حالة الإنكار سارية.

كلّ ما ذُكِرَ عبارة عن واقع مأسويّ يدركه المواطن ويحاول عبثًا، أقلّه حتّى انتهاء جائحة كورونا، التّحرّر منه، فلم يبقَ لنا سبيل سوى الشّارع والعصيان المدنيّ، لأنّهما وحدهما كفيلان بهزّ عروش حكّامنا وزرع الخوف في قلوبهم، الخوف من انتفاضة تقضي على استبدادهم وطغيانهم وترمي بهم في صفحات كتب التاريخ السوداء، محوّلةً إياهم وأحزابهم إلى بقعة مزعجة في مسيرة النّضال نحو وطن أفضل. والدّليل القاطع على حساسيّتهم من قوة الثّورة تجلّى واضحاً في احتفال الأمس، حيث عملوا على مسح كلمات جوهريّة من إحدى أغاني السيدة ماجدة الرّومي (إنّ الثورة تولد من رحم الأحزان)؛ وإذا كانت كلمة الحقّ تهزّ أبدانهم فلا شكّ أن وطأة الأقدام في ساحات الحرّيّة تمزّق أحشاءهم. الحقيقة واحدة: ستصمد بيروت كما في السّابق في وجه الطّغاة والمتربّصين في السّلطة، لتعود وتلمّ شمل ثوّار أرادوا لها النهّوض والازدهار، بيروت الّتي تمتلك تاريخاً حافلاً بمقاومة الأزمات والخروج منها أقوى. لعن الله من حرّف أغنية الرّومي وتلاعب بكلمات نزار قبّاني ليتقلّب في قبره، وهو الّذي كانت تجمعه ببيروت علاقة وطيدة، فعمل سفيراً لبلاده فيها، وأسّس دار نشر لأعماله في العاصمة اللبنانية في ربيع ١٩٦٦، لتطبع هذه المدينة في بدنه جرحًا لم يلتئم مع استشهاد زوجته الثانية بلقيس في انفجار السفارة العراقية عام ١٩٨٢. ومع ذلك أفرط قباني في حب بيروت تاركًا لنا أصدق القصائد وأروعها عن مدينة عانت من ظلم المشرفين على إدارتها، ليحاول طغاة اليوم بكلّ برودة تشويه فنّه وفرض واقع جديد على نمط "نسمع ما يرضيهم ونأبى أن نعصيهم"، ظنّا منهم أن مقاماتهم الوهميّة تسمح لهم بالتلاعب بإرث العمالقة بما يُحزِن أمّة بأكملها. لهم نقول: "إنّ الثورة تولد من رحم الأحزان".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم