الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

بالصور والفيديو: أطفال من التبانة يعيّدون في المقبرة: "هل حقاً سأجد وظيفة إن تابعت دراستي"؟

المصدر: "النهار"
جودي الأسمر
بالصور والفيديو: أطفال من التبانة يعيّدون في المقبرة: "هل حقاً سأجد وظيفة إن تابعت دراستي"؟
بالصور والفيديو: أطفال من التبانة يعيّدون في المقبرة: "هل حقاً سأجد وظيفة إن تابعت دراستي"؟
A+ A-

"في شي عن روحه؟" يمطرون الداخل الى المقبرة بهذا السؤال، كأنه "كود" وظيفي يرددونه وهم يسرعون نحو المدخل، حيث بسطت عربات موسمية لسعف النخيل والآس وشتلات الورود. كثير من الأطفال يحاول التسول أولاً، طالباً "صدقة" عن روح ميّت. ثم يعرضون خدماتهم المأجورة في تنظيف وتشكيل القبور. يتدافعون بالأيدي، ثم يدب شجاراً سريعاً بينهم لا يتطور لعداوة. فما يجمعهم هو كبير ومديد، ولن يفرقهم زبون سيذهب سريعاً ويأتي غيره الكثير. البؤس طويل هنا ولا شفاء منه في أفقر منطقة لبنانية ومتوسطية. حتى تشخيص بؤس التبانة صار مستهلكاً والمطلوب هو بداية حلّ أو أقله نية فيه.


[[embed source=vod id=16616 url=https://www.annahar.com/]]




في المقبرة بؤس مكثف داخل رقعة صغيرة. يجعل من هؤلاء الأطفال "ظاهرة" اجتماعية في كل عيد. وظاهرة لها بروتوكولاتها. ففي غضون لحظات تتم التسوية، بعدما يختار الزائر أحدهم فيسجلون للطفل سعيد الحظ دوره. على أن يترك فرصة اقتناص زبون لبقية الرفاق.

هؤلاء هم أطفال من التبانة في أسبوع الأضحى وصبيحته. القبور هي مقصد الأطفال لا المراجيح. هذه الأخيرة ما عادت متاحة كما في السابق ليس بسبب "كورونا" فحسب، فالتبانة وغيرها من المناطق الشعبية لم تر الكمامة ومظاهر الوقاية الأخرى إلا نادراً ومن خلال زوار.

يقصد أطفال من التبانة القبور ليعيشوا. عيدهم يبدأ حيث تنتهي الحياة - في المقابر. مكان "الموت" فرصتهم لأجل الحياة، ولا نعني بها الرفاهية: يبلغ طه من العمر 12 سنة، ولكن بنيته توحي بأنه ابن سبع سنوات. يعمل في تنظيف القبور وتزيينها من أجل تأمين الأكل. يعطي غلته لأمه "أبي لا يرى ولا يسمع"، ولديه ثلاث شقيقات.

يتحلق الرفاق معه حول أحد القبور، ويصادقون على كلامه. هو أكثرهم فصاحة. يفكك معاناته بثقة شاب راشد "أبي عاطل عن العمل". لا يعرف اذا سيدخل المدرسة العام القادم، سائلاً "الكتاب بـ 35 ألفاً. كيف نشتريه؟".




رفيقه علي (14 سنة) يؤمن أنّ "العلم لا ينفع في هذا البلد" قائلاً: "هل حقا سأجد وظيفة إن تابعت دراستي"؟ ترك المدرسة باكرا لأنّ أبويه انفصلا منذ ثلاث سنوات، وتخلى والده عن مصروفهم. يعمل علي عادة في محل السمانة "لكن الزبائن صاروا قلة والمعلم استغنى عني. جئت الى هنا لتأمين القليل من المال".

يمارس هؤلاء الأطفال عملهم الموسمي بصفة حرة، وبعضهم يعمل لصالح أصحاب بسطات النبات. يحملون هم النباتات التي تفوقهم طولاً، ويجتهدون في التقاط الزبون و"سمسرة" البيعة، فيما يرقبهم البائع، ويتدخل أحياناً لتقسيم الأدوار "أنت ابقَ هنا. أنت اصطحب الزبون". على بعد أمتار من مدخل المقبرة، ينصب "أبو مصطفى" نرجيلته المعسل. هو مسؤول عن النظافة. يرقب بهدوء المشهد وهو ينفث دخانه. يقصده الأطفال حين يحتاجون غالونات وليفة وصابون.




أطفال ختموا مراحل الوجع باكرا. يتعاطفون مع صديقهم الموجوع ويدعى ابرهيم.

"إجت الميّ"، تتردد هتافات الأطفال. فتتداخل مع أصوات خافتة تخفق بأدعية الزوار وتلاوات القرآن. يذهب إبرهيم مسرعاً الى حوض مياه المقبرة، ويثبت الغالون تحت الحنفية. رفاقه يحترمونه ويعطونه الأفضلية في كسب الرزق. حين يحمل ابرهيم غالون المياه نفهم السبب. يعاني جمودًا في رقبته. لا يستطيع تحريكها بتاتا. يعمل ليلا ونهارا ليجمع غلة تساعده على إتمام عملية لرقبته.

يعينه أحد الصبيان في حمل الغالون. الطفل ابراهيم "مختار" المقبرة. يعمل فيها منذ ست سنوات ويعرف موقع كل عائلة في القبور. بعد أن تساعد مع رفاقه في تنظيف القبر، وقفوا فاتحين الأيدي يقرأون "الفاتحة". ثم حين أعطتهم السيدة أجرتهم، سلموا ابرهيم حصته أولاً، ثم حاولوا تقسيم المبلغ.




وأجرتهم الزهيدة لا تتعدى اليوم ثلاثة آلاف ليرة. غلتهم آخذة في الانكماش وبؤسهم آخذ في التوسع. "حتى العائلات الميسورة لا تعطينا سوى القليل"، يقول أحد العاملين الذي التقطه الزميل اسبر ملحم في فيديو قصير يختصر كل مواجع هذا العيد.

تسرب مدرسي، جوع وتهميش واستغلال للطفولة، وهذا غيض من فيض. استفاق هؤلاء الأطفال في منطقة تعاني مشاكل اجتماعية موروثة ومتدحرجة، زُرِعت في مستقبلهم قبل أن يروا الحياة. وحين أرادوها، كانت المقابر هي السبيل. والضرب في ضمير الدولة (الميت) حرام. لننظر لامتلاء ممرات المقبرة في العيد بالاوساخ والشوك وبقايا النبات المصفر، هو كافٍ لإعطاء صورة عن لامبالاة السلطة بجميع طبقاتها. الهرم كله بحاجة لإعادة تأهيل.



الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم