الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

كيد (هنّ) المكتسب

المصدر: النهار
رولا خضر
كيد (هنّ) المكتسب
كيد (هنّ) المكتسب
A+ A-

يبدو أنّ مشروبي المفضل لم يعد يضيف ذلك الشعور بالنشوة، وأنّ ملابسي الثمينة التي لا أقبل شراءها إلا من أرقى المحلات لم تعد ترضي غروري، وأنّ ذاك الشاب الذي ينتظرني يوميّا أمام سيارتي عند الذهاب والإياب لم يعد يحرك أياً من مشاعري.

يبدو أنّ ذاك المطعم البحري حيث تركن ذكرياتي وآمالي وآلامي لم يعد يضيف اللّذة إلى يومي الرتيب، وأن رواياتي الحزينة التي كنت أقرأها بنهم وشغف حتى أخال نفسي أحد أبطالها لم تعد قادرة على تعديل مزاجي، وأن أدوات التجميل الخاصة بي لم تعد قادرة على تزييني أو حتى إخفاء تلك الثقوب السوداء التي باتت تخفي عيوني.

بتّ جسداً بلا روح، عصفوراً حرّاً طليقاً، لكن بلا جانحين، قلمٌاً جف حبره، ورقة ًامتلأت بالترهات حتى لم يعد فيها مكان للسطر الأهم.

لم أعد أقوى على لملمة شُتاتي المتناثرة هنا وهناك، لم أعد أقوى على تحمل كل هذه الخيبات، لم أعد قادرة على تحمل مسؤولية نفسي، لم يبقَ عندي من الحلول ما يكفي لإنهاء كلّ المشكلات التي أوقعت نفسي بها.

أين كيد النساء الذي أوهموني أن الله نسبه إلى النساء بقوله "إنّ كيدهن عظيم".

فتردّ إحداهن:

-عزيزتي إنّ الله لم يتهمنا بالكيد ولكنّ رجال هذه الأمة شيوخاً كانوا أم محض متدينين أم مؤمنين وحسب، أم بعيدين كل البعد عن الله والدين، يزرعون فينا خيبات أمل تجعل من الكيد أمراً مكتسباً. فمع كل خيبة أمل نكتسب خاصية من خصائص الكيد ونخسر بعضاً من عفويتنا.

-عزيزتي أتعتقدين أني أدرس قواعد اللغة العربية عبثاً، أنا أدرسها وأتقنها وأحفظها عن ظهر قلب لأدرك متى أضمه ومتى أكسره، متى أجعل منه ضميراً متصلاً ومتى أحوله إلى ضمير مستتر، متى أجعل من كلامه مفعولاً به، ومتى أجعل من كلامي مفعولاً فيه، متى أدعه مبتدأ مرفوعاً، ومتى أُدخل أن وأخواتها لأجعله اسماً منصوباً.

-عزيزتي أتعتقدين أني أدرس تحليل النصوص عبثاً، كل رسالة تصلني منه أضع لها عنواناً مناسباً، أدرس مفرداتها، أستخرج منها الكلمة الموضوع والكلمة المفتاح، ولا أتردد في طرح الأسئلة على نفسي: "من المرسل قلبه أم شهوته"؟ "ما الذي قصده بهذه العبارة"؟ "هل كان موضوعياً في هذا الحوار".؟ كما لا أملّ من استخراج وجه الشبه بيننا ولا أكلّ من التمعن في كناياته.

-عزيزتي أتعتقدين أني مغرمة بعالم الشعر عبثاً، بتّ لا أقبل من يحدثني دون سجع وقافية. بتّ أهيم بالذي ينطق كلاماً موزوناً يذكّرني ببحور الشّعر. بتّ لا أتاخر عن كتابته كتابة عروضية وتقطيعه لاكتشاف البحر الذي ينتمي إليه.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم