البحر مأوى محمد في الشتاء فقط

آية يونس

"لم يحلّ الصيف بعد لحسن الحظ، فالعيش شتاءً على شاطىء البحر وسط الأمواج العالية وخرير المياه المخيف، يبقى ارحم من ابتلاع الناس أحدهم للآخر في الصيف". انها كلمات محمد محمود علي، من وادي خالد. هكذا عرّفنا عن نفسه بعد محاولات عدة لاقناعه بالحديث.


على امتداد الشاطىء الجبيلي، من حي الارمن- عش العصافير الى مجمع Edde Sands  ، يسير محمد وعلى ظهره كيسان من الخيش، ويردد: "تعب الرمل مني". هنا، يعيش هذا الرجل المسكين وربما هنا سيموت ايضاً.


رسمت التجاعيد خطوطها الصلبة على وجه محمد الشديد السمرة من كثرة التعرض للشمس. ثيابه ممزقة انما "الحمدلله" سميكة، "فلم تخلُ الارض بعد من الناس الطيبين"، كما يقول. محمد يكره فصل الصيف، لأن الناس "الاكابر الذين يقصدون الشاطىء يشمئزون من هيئتي، ويطالبون العاملين في المنتجعات بطردي. بينما في الشتاء، لا احد يقترب من مسكني، فالكل يخاف البحر في الشتاء"، يروي محمد.
لم يقبل ان يرينا أين ينام وعندما أصريّْنا، بدأ بالصراخ: "لا أحد يساعدني. لا اريد طعاماً بل مأوى".
يمشي ويُحدِّث نفسه، يشرح لنا بعض الجيران عن حاله النفسية واصفين الرجل بالـ"مجنون". وعندما سألناهم كيف وصل الى المنطقة، اجابت امرأة: "هو هنا منذ اكثر من 40 سنة، يستعطي ولا يعمل وينتظر منذ الصباح الباكر محبّي المشي على الشاطىء لإعطائه بعض المال".
قصدنا المكان الذي ينام محمد فيه: "تخشيبة على الشاطىء حالها شديدة البؤس". عندما اقتربتُ للدخول، منعني وأمسك بيدي ووضعها على صدره قائلاً: "هيدا القلب مات مات".
قصصٌ كثيرة عن البؤس في بلدنا، ماتت الحكايات ومات البائسون ولم يمت البؤس بعد. محمد حبة من رمال هذا الشاطىء الذي يخبىء اسرار الكثيرين من امثاله، سمع البحر صرختهم ولم يسمعها البشر.


Aya.younes@annahar.com.lb
Twitter: @ayayounes01