أيّ حسابات قد تقف خلف إغلاق قنصليّة الصين في هيوستن؟


"في موقع المسؤوليّة"

هذا القرار المحتمل الذي ذكرته صحيفة "نيويورك تايمس" سيطال حوالي 92 مليون شخص من المنتسبين إلى الحزب وعائلاتهم. وذكرت الصحيفة أيضاً أنّ إدارة ترامب اتّخذت خطوات من أجل إلغاء تأشيرات الدخول للآلاف من الطلّاب الصينيّين والباحثين في الولايات المتّحدة والتي تقول الإدارة إنّهم مرتبطون بجيش التحرير الشعبيّ الصينيّ.

على الرغم من أنّ الرئيس الأميركيّ خاض حرباً تجاريّة قاسية ضدّ الصين قبل أن يتوصّل إلى اتّفاق المرحلة الأولى في كانون الثاني الماضي، يذكر تقرير في شبكة "بلومبيرغ" أنّ ترامب لم يكن من الصقور الفعليّين تجاه الصين، لأنّه كان أميل للتوصّل إلى اتّفاق تجاريّ معها. لكنّ طلب إخلاء قنصليّة هيوستن عنى أنّ "المتشدّدين باتوا في موقع المسؤوليّة" عن الملفّ الصينيّ.

وفي مقدّمة هؤلاء، وزير الخارجيّة مايك بومبيو وفريقه إلى جانب نائب رئيس مجلس الأمن القوميّ مات بوتينغر. وينقل التقرير عن مسؤول مطّلع على النقاشات الداخليّة قوله إنّ بومبيو وفريقه استنتجا أنّ الولايات المتّحدة الديموقراطيّة والرأسماليّة لا يمكن أن تتعايش مع صين شيوعيّة ذات قيادة غير منتخبة.


اتّهامات متبادلة

تتّهم واشنطن بيجينغ ب "التجسّس" و "سرقة الملكيّة الفكريّة" داخل هذه القنصليّة وهي واحدة من بخمس قنصليّات صينيّة في الولايات المتّحدة. ولدى الأخيرة أيضاً خمس قنصليّات في الصين، حيث يمكن بيجينغ أن تستجيب لخطوة واشنطن بالمثل، بعدما تعهّدت بالردّ على القرار الأميركيّ. قد تغلق الصين قنصليّة أميركيّة في هونغ كونغ التي شكّلت مؤخّراً نقطة تجاذب جديدة بين البلدين على خلفيّة إدخال قانون جديد للأمن في المنطقة.

وهنالك حديث أيضاً عن إمكانيّة إغلاق قنصليّة أميركيّة في شنغدو أو ووهان، المدينة التي انطلق منها فيروس "كورونا". ويوم الثلاثاء أيضاً، اتّهمت الولايات المتّحدة الصين باستخدام قرصانين إلكترونيّين لاستهداف شركات أميركيّة تجري أبحاثاً على لقاحات وعلاجات لفيروس "كورونا".

وصف مسؤول في وزارة الخارجيّة تلك القنصليّة بأنّ لديها "تاريخاً من الانخراط في السلوك التخريبيّ"، قائلاً إنّ الصين ترسل تلامذتها إلى الولايات المتّحدة لدراسة ما يمكّنها من تعزيز حروبها في المجالات الاقتصاديّة غيرها. وشوهد موظّفو القنصليّة الصينيّة يحرقون مستندات في إطار استعدادهم لإخلاء المبنى. هذه الخطوة شائعة في مثل هذه الحالات من أجل تفادي اطّلاع حكومة البلد المضيف على معلومات سرّيّة بعد دخولها المبنى عقب إخلائه من قبل الديبلوماسيّين. وهي لا تدلّ بالضرورة إلى عمل تجسّسيّ.

اتّهمت السفارة الصينيّة الأربعاء قرار واشنطن بكونه "استفزازاً سياسيّاً" و "خطوة شنيعة غير مبرّرة تخرّب العلاقات الصينيّة-الأميركيّة". وشدّدت السفارة على أنّ الصين ملتزمة مبدأ عدم التدخّل في الشؤون الداخليّة للدول كما أنّها تؤدّي مهامّها الديبلوماسيّة بتوافق صارم مع اتّفاقيّة فيينّا للعلاقات الديبلوماسيّة. ووصفت الاتّهامات الأميركيّة بأنّها "فبركات لا أساس لها".


لماذا هيوستن؟

يستغرب جايمس بالمر في مجلّة "فورين بوليسي" اختيار قنصليّة هيوستن بالضبط. ويرى أنّ النشاطات التي ذكرتها الإدارة "مبهمة" وحتى لو كانت صحيحة، قد تكون أضعف من نشاطات تجسّسيّة صينيّة في الولايات المتّحدة والتي تتمحور في قنصليّة سان فرنسيسكو بحسب تعبيره. وبينما تأتي في المرتبة التالية القنصليّتان الصينيّتان في نيويورك وشيكاغو، تقوم هيوستن غالباً بالأعمال الورقيّة، على الرغم من أنّها انخرطت في "ديبلوماسيّة عدوانيّة للطاقة" قادتها الصين. ويعتقد أنّ هذه الخطوة قد تجبر الشركات الأميركيّة في الصين على البدء بفكّ ارتباطها بالأعمال هناك بشكل طوعيّ.

تساءل مراقبون آخرون عن سبب اختيار قنصليّة هيوستن. يقول المساعد السابق للممثّل التجاريّ الأميركيّ لدى الصين جيف مون، إنّه إذا كانت سرقة الملكيّة الفكريّة هي الدافع الحقيقيّ وراء قرار الإدارة، "فسيكون على الولايات التّحدة إغلاق قنصليّة سان فرنسيسكو، التي تغطّي وادي سيليكون". وقال لشبكة "سي أن أن" إنّ هذه الخطوة تهدف إلى إرضاء قاعدة ترامب الشعبيّة على أبواب الانتخابات لكن من دون أن تلقى ردّاً قويّاً من الصين لأنّ الإدارة الأميركيّة لم تستهدف قنصليّة أكبر. وهذا يسمح لبيجينغ بالردّ عبر إغلاق قنصليّة واشنطن في ووهان، علماً أنّ الأخيرة متوقّفة عن العمل بسبب "كورونا".

واتّهم مكتب التحقيقات الفيديراليّ "أف بي آي" تانغ جوان بالكذب حول عدم ارتباطها بالجيش الصينيّ كي تحصل على تأشيرة دخول أميركيّة لإجراء أبحاث في جامعة كاليفورنيا. لكنّ المكتب وجد صوراً لها على الإنترنت وهي ترتدي الزيّ العسكريّ الصينيّ فنفت أمام عناصره في 20 حزيران أن تكون قد خدمت في الجيش أو أن تكون عضواً في الحزب الشيوعيّ. وبعد خروجها من التحقيق ذهبت إلى القنصليّة الصينيّة في سان فرنسيسكو حيث لا تزال تحتمي هناك وفقاً للمكتب.


بومبيو يفتتح حقبة جديدة

كان أحد المسؤولين الذين رفض الكشف عن اسمه قد تحدّث إلى "فورين بوليسي" عن أنّه جرى التداول بقرار إغلاق القنصليّة الصينيّة في سان فرنسيسكو. لكن بما أنّ تلك القنصليّة تغطّي خدمات لعدد كبير من الصينيّين في المنطقة، اتُّخذ القرار بإغلاق قنصليّة هيوستن حيث عدد الصينيّين أقلّ. هل كان الهدف من وراء الخطوة إلباس ترامب مظهر القوّة بالتوازي مع تفادي تصعيد كبير مع الصين؟

يظلّ هذا الاحتمال قائماً، على الرغم من أنّه قد لا يرتبط مباشرة بتهرّب الإدارة من مواجهة كبيرة مع بيجينغ، بمقدار ارتباطه بزيادة تدريجيّة للضغط عليها. ومهما كان شكل التداعيات المباشرة التي سيولّدها القرار، تبقى أهمّيّة الأخير في الإطار الزمنيّ الذي جاء فيه. من المتوقّع أن يزور بومبيو اليوم مكتبة ريتشارد نيكسون الذي انفتح على الصين أوائل السبعينات، كي يلقي كلمة يظهر فيها أنّ الصراع الصينيّ-الأميركيّ هو الصراع النهائيّ للحضارات وفقاً لتقرير "بلومبيرغ".

أولت وسائل إعلاميّة كثيرة كلام بومبيو المتوقّع أهمّيّة بارزة على صعيد احتمال افتتاح عصر جديد من التوتّر الأميركيّ-الصينيّ. بذلك، يصعب حصر قرار إغلاق قنصليّة هيوستن بالأهداف الانتخابيّة فقط. فما يرتسم من معالم، يحدّد على الأغلب اتّجاهاً استراتيجيّاً لا تكتيكيّاً.