جينات الأنانية السياسية

خالد الطراح- كاتب كويتي

فرض التاريخ السياسي العربي على المؤرخين والأكاديميين والمحللين الاهتمام بطبيعة الطغيان للأنظمة العربية في شتى بلدان العالم العربي، لكن هذا لم يمنع من بروز اكثر من بديل مماثل للسلطة المطلقة بعد أفول أنظمة أخرى.

هناك العديد من البلدان العربية، التي شهدت أشكالاً من العصيان والتغيير السياسي الحتمي قبل وبعد ما يعرف بالربيع العربي، لكن سرعان ما ينهض نظام آخر مختلف شكلاً عما سبق حاملاً رايات الإصلاح، بينما الواقع برهن على أن البديل أسوأ من النظام الذي قبله.

ليس امامنا في مثل هذه الظروف القبيحة شكلاً ومضموناً، سوى التعامل مع المعطيات السياسية في التحليل والتفسير، بينما سيناريو المعاناة الشعبية يستمر من سيئ إلى أسوأ اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً.

لا أعلم إن كانت هناك دراسات علمية عميقة استطاعت تحليل التاريخ العربي ككل والمعاصر تحديداً، من خلال نافذة علوم الجينات والوراثة وربطها بالواقع السياسي، ولكني وجدت في كتاب "الجينة الأنانية" لريتشارد داوكنز Richard Dawkins ما يمكن الاستفادة منه سياسياً.

فنظرية الجينة الانانية The Selfish Gene (1976)، تقوم على أساس دور الجينات في تطور السلوك البشري والسيكولوجي، حيث تعتبر الجينات من أهم العوامل في التوارث بين الأجيال، بصرف النظر عن الهوية والأديان والمعتقدات والزمن ككل.

فهناك طباع وسلوكيات وراثية يمكن أن تنتقل من جيل إلى آخر، كالعاطفة والشفقة والعناد والكرم والبخل والإبداع والذكاء والكراهية والحب والتسامح، حتى لو اختلفت بدرجاتها وتأثيرها على تطور المجتمعات.

في ضوء مشاهد التدهور المعقد والتأزم السياسي المستمر في العالم العربي واختناق حريات الشعوب وبروز هيمنة تحالفات حزبية وسياسية ضد مصالح وطنية وقومية، تتأكد الأهمية في علاقة علم الجينات بالأنظمة العربية أو بالأحرى بأنانية الزعامات العربية.

فالقراءة السياسية لكتاب "الجينة الأنانية"، قد يكون مفيداً اليوم أكثر من أي وقت، فثمة ارتباط بين نظرية التطور وكل ما له علاقة بالأنثروبولوجيا والسياسات العربية تحديداً.

والكتاب عبارة عن إنذار كما ورد في طياته لمن يسعى إلى "بناء مجتمع بتعاضد أفراده بسخاء بعيداً عن الأنانية لما فيه الخير العام"، حيث يناقش المؤلف فرضيات حول التعليم والطباع الاجتماعية المكتسبة وراثياً وجينياً واستحالة فرض تصحيحها، باعتبار أن الإنسان "ليس مجبراً على الامتثال" للطباع المتوارثة أو "البرمجة الجينية".

فالعين البصيرة لا يمكن أن تغفل الفرق بين "السلوك الأناني والسلوك الإيثاري ظاهرياً"، كما هو الحال الطبيعي بين أفراد الأسرة اجتماعياً وليس سياسياً.

إذا ما أمعنا سياسياً في هذه الجوانب العلمية، فسنجد إجابات كثيرة والتفسير للانحراف عند الزعامات العربية، التي توسمت فيها الجماهير والشعوب العربية "الخير العام"، بينما تستمر نفس التحديات وتأتي الصواعق الواحدة تلو الأخرى بعد وصول التيار السياسي البديل إلى السلطة وتحوله لاحقاً إلى سلطة مطلقة.

من الممكن جداً مقاومة الأنظمة القمعية والزعامات المطلقة، لكن من المستحيل إحداث تغيير جيني - سياسي إو إخضاع البديل المأمول لاختبارات وراثية وجينية قاطعة قبل القبول الشعبي لخيارات التغيير السياسي.

لاشك أن الديمقراطية لا يمكن لها أن تستقر وتتطور في ظل اأانانية السياسية. فظاهرة الإقصاء لرأي الأغلبية هو شكل من أشكال الأنانية، الذي ربما لم يعرفه التاريخ السياسي العربي من ناحية وراثية.

ثمة فرق كبير بين الأنانية البشرية والأنانية السياسية.

k.altarrah@ymail.com

@kalTarrah