الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

معركة اللحظة الأخيرة

أسامة مهران
معركة اللحظة الأخيرة
معركة اللحظة الأخيرة
A+ A-

وصلت المفاوضات التكميلية لسد النهضة الأثيوبي إلى طريق مسدود، إذ أصر الجانب الأثيوبي أن يضع مصر في فوهة المعركة، وأن يدفع بها إلى الصفوف الأمامية في قتال غير محمود، وفي نزال لَمْس الأكتاف فيه بات مستحيلًا، توازن القوى على الأرض ليس له أي علاقة بالعدة والعتاد، بالجيوش الجرارة، والمتاريس الجبارة، والصعود إلى سُدةِ الهاوية.

وسيط منحاز في الطريق إلى المعركة، تأثير جارف للحقائق إذا ما شمر الجانب المصري عن سواعده وقرر ضرب السد، لا أحد يعلم إذا ما كان "الحمل الثقيل" سوف ينهار على مُشيديه، أم أنه سيصيب الوسيط في مقتل، هل السد العالي في أقصى جنوب مصر سيتأثر؟ أم أن بحيرة ناصر تمتلك من الاتساع ما يكفي لحماية الزرع والضرع من التيبس أو الغرق، من الليل إذا انبثق، والشراع إذا تهاوى، والبركان إذا انعتق؟

لا أحد يدري هل القتال حلًا؟ أم أن القانون الدولي يعيد إلى المصريين حقهم المشروع؟ مجلس الأمن أو الاتحاد الأفريقي، أو محكمة العدل الدولية، جميعها جهات تستخدم الوقت لإغراق ما تبقى من أراضٍ صالحة للحياة، وإخفاء ما تيسّر من ملفات وأدلة وبراهين تؤكد أحقية مصر التاريخية في 55 مليار متر مكعب من مياه النيل الأزرق القادمة من أثيوبيا.

الأحباش يراهنون على الوقت، وبطبيعة الحال كسب رجل "الأورومو" القوي أبي أحمد الرهان، تلكأ، سوَّف، ماطل، تلعثم، حتى ينتهي رفقاؤه، إسرائيليين أو أتراكاً أو قطريين أو شركات "بين بين"، من استكمال بناء السد "غير المزعوم"، ملء بحيرته العملاقة سوف يتم قبل نهاية الأسبوع القادم، وقبل نهاية الأسبوع القادم سوف يجلس الجميع في قمة أفريقية مصغرة، قد يعود الزعماء فيها إلى المربع صفرًا، وكأننا نعيد اختراع العجلة، أو ابتكار المعجزة، أو انتشال الملف برمته من الموت السريري المحتوم أو الغرق الافتراضي المزعوم.

مطلب مصر واضح، على المستوى الفني، لا بد من أن يتفق على إجراء موثق بكيفية التعامل مع حقوق مصر المائية خلال فترات الجفاف والجفاف الممتد، هل ستُستكمل حصتها المنقوصة من بحيرة سد النهضة المرشحة لكي تمتلئ بنحو 74 مليار متر مكعب من المياه "الزرقاء"؟ هل الآثار المترتبة على بناء هذا السد لكي تبدأ شبكاته في توليد الكهرباء سوف تنحصر فقط في الـ20 مليار متر مكعب من الحقوق المائية المصرية، ناهيك بتلك الحقوق التي يحكي عنها "بحنية" الملف السوداني في المفاوضات الماراثونية؟

مطلب مصر واضح أيضًا على المستوى القانوني حيث لا بد من أن يُوقعّ على اتفاق مُلزم بين الأطراف الثلاثة وأمام شهود دوليين معتبرين، كالاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة الأميركية والبنك الدولي و... ما تيسر من منظمات لها علاقة "ما" بحفظ حقوق الدول المتشاطئة على نهر مختلف عليه.

كل ذلك رفضته أثيوبيا ببلطجة "إسرائيلية" واضحة، ونطاعة تسلطية لم يسبق لها مثيل، واستخفاف بكل حق موثق على المدى من التاريخ.

أحد أساتذة القانون الدولي في لقاء تلفزيوني قبل أيام أصابني بالإحباط، جعلني أشعر باليأس من القانون الدولي نفسه، فلا قانون يلزم أثيوبيا على الانصياع لقرار، أو الاحترام لمواثيق، أو التنفيذ لضمانات، ولا اتحاد أفريقي أو أممي آخر يمكنه قرص أذن الطرف المتعنت كيما يلين، أو فرض عقوبات حتى يرتدع، أو حتى الاستشهاد بعلاقات لا يُستشهد في سبيلها صاحب حق.

عندما يكون الصراع على قطرة ماء، فإن اللا قانون الذي ينظم إعادة الحق لأصحابه لا يتشابه بتاتًا مع القانون الذي أعاد بالتحكيم الدولي طابا المصرية إلى بلادها، من هنا فإن الرهان المصري على مجلس الأمن الدولي بهدف التشبث بالفصل التاسع من ميثاقه المرتبك، لا يجبر بالضرورة الدولة الغاصبة على إعادة الحق المغتصب لأصحابه الحقيقيين، هذا الفصل تحديدًا لكي تُستنفر مخرجاته، وتُستفز قراراته فإنه يحتاج من ستة شهور إلى سنة، أي أن أثيوبيا ستكون قد شرعت بالفعل في ملء بحيرة السد، وأن التراجع شبه المؤكد لحصة مصر من مياه النيل لن يكون مجرد كلام، وأن تيبُس دلتا مصر بأكملها قد يطاله التحقق بعد عشر سنوات من مفاوضات لم تؤتِ أكلها، وبعد قرون من الفشل مع "صديق" لدود، يؤمن بأن الله مَنّ على شعبه بالأمطار، ولا يصح ولا يستقيم أن يحصل كائن من كان على على أية قطرة منها إلا بثمن.

أثيوبيا في فكرها الجمعي ووعيها النوعي، وثقافتها المتراكمة لا ترى أن لمصر أو للسودان أي حق في مياه النيل الأزرق، أما إذا كانت ثمّة رغبة لدى أي من الدولتين في هذا النيل فعليها أن تقدم عرضًا للشراء ضمن مناقصة دولية لتحديد السعر بدقة، بل أن عرابها المفكر عبدالشكور عبدالصمد راح لأبعد من ذلك كي يدعي بما يطلق عليه بـ"الحق المطلق" للأحباش في أمطار السماء، من طريق بورصة دولية تحدد أسعار الليترات المكعبة من مياه متشاطئة مع عدو قريب، ومن رزق إلهي يسعى مغتصب لسرقته جهارًا نهارًا وعلى مرأى ومسمع من البشرية جمعاء.

هذا هو الموقف الأثيوبي غير الواضح باختصار، وذلك هو الموقف المصري الواضح بقليل من الشرح والتفصيل، أما الموقف السوداني فما زال يعتمد على الود التاريخي الفائق عند الحديث مع "أشقاء"، أو عندما يتعثر التفاوض من أجل مصير، أو حين تكون اللائمة قاب قوسين أو أدنى من التمرد على وضع غير مقبول.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم