تغيّر المناخ يضرب هوية كفردبيان السياحية \r\nغياب الثلوج يقابله إقفال للمتاجر وجمود

باسكال عازار

يزدهر الريبع في كفردبيان منتشيا بانتصاره على شتاء لم يحن بعد أو فاته القطار. لا حاجة الى معطف ولا الى ثياب بسماكة معقولة، فلذة الاحساس بالقشعريرة التي يتركها النسيم الدافئ على جسمك تجعل الملابس الرقيقة أكثر من كافية.


يولّد الموقف انذهالا مزدوجا: انذهال جميل وبديهي سببه روعة المكان وطبيعته، وانذهال سلبي يترافق مع سكون مطلق غير مبرر في منطقة تعج عادة بالحركة خلال هذه الفترة من السنة. تبدو كفردبيان أشبه بلوحة صامتة جميلة لكن جامدة، لا حياة فيها ولا بشر، بعدما هجرها الثلج وأفقدها هويتها.
تجول في منطقة عيون السيمان من زاوية الى أخرى، كل المحال التجارية مقفلة بلا استثناء، تبحث عن أي كان قادر على ان يوفر معلومات عن الواقع الاقتصادي الذي فرضه المناخ هذه السنة، لكن محاولات البحث تبدو مستعصية، تماما كمحاولات البحث عن الثلج في الجبال الجرداء.
يقف ايلي عقيقي مكتوف اليدين أمام صاحبه الذي تذوق بالكاد طعم النار في "استراحة المتزلج"، وأول كلمتين مشتركتين تلفظ بهما وغيره من القلائل الذين التقتهم "النهار" هما: "ضيعان الحكي". فظروف المناخ "أوقفت كل شيء، كل المتاجر والمطاعم أقفلت أبوابها ولم تفتحها الا لأيام معدودة لا تتعدى الاسبوع، بين رأس السنة والايام القليلة التي تساقط فيها الثلج". وأضاف: “الوضع يدعو الى البكاء خصوصا بالنسبة الى المستأجرين واصحاب المصالح. كلنا تضررنا بشكل كبير، والمشكلة ان الوضع الامني قد لا يسمح بأن يكون الصيف زاخرا ايضا لنعوض الشح الاقتصادي الذي أصابنا في الشتاء، الله يساعدنا كلنا، نحنا والدولة".
أما تريز فتطل من احدى نوافذ دكانها المشرّعةـ، وتؤكد بكلمات تبعثرها السيجارة بين شفتيها "ما بدي احكي لشو طول السيرة شوفي حواليكي بكفي اكثر من ساعة حكي". وبعد ثوان من الاخذ والرد صرخت اختها من الداخل "رح يبردو المناقيش"، فاعتذرت تريز التي يبدو انها أشعلت الصاج على شرف شقيقاتها ضمن جلسة عائلية خالية من الزبائن.
وفيما كانت متاجر ملابس وعتاد التزلج مقفلة، ركنت سيارة امام أحدها وترجلت منها سيدة لتفتح الباب الحديدي، فتلقفتها "النهار" بالسؤال عن الضرر الاقتصادي الذي لحق بها هذا الموسم، رفضت بحدة الادلاء بحديث واكتفت بالقول "شو بدي قول حدا بيطلعلو مع ربنا".
من جهة اخرى، اوضح مساعد المدير التنفيذي في فندق "مزار انتركونتيننتال" فادي فريفر، ان "الوضع السياحي في المنطقة مرتبطة بكمية الثلوج التي تسقط على المرتفعات، لكن للأسف الى جانب انعكاسات الظروف الامنية والاقتصادية التي يمر فيها البلد، كان علينا ايضا تحمل انعكاسات الوضع البيئي اذ ان كمية الثلوج المتساقطة لم تكن كافية لدرجة تسمح بفتح محطات التزلج لفترة طويلة".
اضاف: "فالمعدل العام لاستقبال المتزلجين هو ثلاثة اشهر تمتد من كانون الأول حتى اواخر شهر آذار، غير ان المحطة لم تستقبل المتزلجين هذه السنة الا لثلاثة او اربعة ايام فقط. طبعا، ادى ذلك الى تراجع في ايرادات المنطقة ككل والفندق تحديداً، وتقول احصاءاتنا ان ثمة تراجعاً في اجمالي الايرادات بنسبة 80% عن العام الماضي".


التبعات الاقتصادية
واكد فريفر ان للازمة البيئية تبعات اقتصادية "انسحبت على المؤسسات المحدودة المرتطبة باشخاص، فهذه لم تتمكن من تحمل اعباء سنة مثل هذه فأقفلت، اما الشركات والمؤسسات الكبيرة فقد اتخذت اجراءات معينة كي تستمر". واضاف "ثمة نحو 600 عائلة نوظفها سنويا، اضطررنا لالى الاستغناء عن خدماتها هذه السنة لان الثلج لم يتساقط. نحن نتحدث عن 600 عائلة فقط بالنسبة الى الفندق، لكن اذا اضفنا شركة التزلج ثمة 150 او 200 عائلة اخرى اضافية لم يتم توظيفها ايضا، هذا من دون ان نتحدث عن الاضرار اللاحقة بمحطات الوقود ايضا والدكاكين الصغيرة وغيرها ضمن الحلقة الاقتصادية المتكاملة في المنطقة. لذلك اعتقد انها خسارة كبيرة جدا، واذا تكررت السنة المقبلة فستكون كارثة، لانه حتى المؤسسات الكبيرة سوف يكون وضعها في خطر".
وعما اذا كان يتوقع حركة صيفية نشطة تعوض خسائر الشتاء، قال: "ان الحركة السياحية مرتبطة طبعا بالوضع الامني وبالخطة السياحية التي على الدولة ان توفرها ومن ضمنها الاتفاقات السياحية مع الدول الاخرى، لكن ذلك مفقود ولا نشعر بالدعم. على الدولة ان تظهر شيئا من الاهتمام والا فان استمرارنا في خطر. طبعا هي لن تستطيع ان تأتي بالثلوج، لكن في امكانها تشجيع السياحة". واضاف: "نحن منطقة معروفة بمواسمها، وتزدهر خلال موسمي الثلج والصيف. لذا الحر يجعل منطقتنا تستقطب الناس من بيروت ومن دول الخليج المحيطة للاستجمام لان طقسنا جميل، اتمنى ان يعوض الصيف شح فصل الشتاء".


Pascale.azar@annahar.com.lb
Twitter:@azarpascale