الثلاثاء - 23 نيسان 2024

إعلان

على هامش "السفيرة"

أسامة مهران
على هامش "السفيرة"
على هامش "السفيرة"
A+ A-

لم تكن بطلة قومية، لكنها أصبحت، تلك التي خلق منها القضاء اللبناني أيقونة على "الصفحات"، وأنشودة يتغنى بها الشارع الرافض للموقف الأميركي من كل شيء وأي شيء، السفيرة الأميركية في بيروت ومن أمامها تصريح يرتبط بحرية التعبير، التحريض على المسيرات في الميادين، والتظاهرات في الأزقة والجبال، والثورة على نقص الخبز وسعر الليرة، واختفاء البطاطس واجتزاء الوطن الكبير في محاصصات الوالي الصغير، كل ذلك كان نصب عينيها وهي تصرح، وكان ملء فمها وهي تطلق النصيحة، وخارجًا عن المألوف وهي تتخلى عن دبلوماسيتها "الموقرة"، كل ما قامت به على أرض محفوفة بالمخاطر، وفي وضع أقل ما يُقال عنه أنه قابل للاشتعال.

هكذا فعلتها "السفيرة" بنفسها، وهكذا قال القضاء اللبناني كلمته، ربما بسرعة لم نعهدها، وربما بحزم لم نشهده، وربما بصرامة لم تضل طريقها نحو الهدف المنشود، لكن الأكيد، أنه لا السفيرة الأميركية، ولا الشارع المحتقن، ولا الخبز المختفي، يمكنه أن يربط الحصان أمام العربة، كي يجر لبنان عن بكرة أبيه إلى مواجهات إضافية، إلى صراعات عابرة للحدود، وإلى قناعات لم تكن في سبيل الله.

ما حدث "كوم"، وما قد يحدث من احتجاجات على حكومة لم تكن عند حسن ظن الشارع بها "كوم" آخر، ما يجري أمام الشاشات، وعبر الفضاء الرقمي، أو الخلاء المأجور، في مقابل ذلك الذي يتجلى ويضع بيروت أمام مسؤولياتها، مثلما يضع حزب "الأحزاب" أمام مخاطره التي ينسجها على أشجار الأرز الآيلة، وخلف طواقمه المسلحة التي لم تعترف بلغة أخرى تدخل بها إلى ديوان الحكومة، كل ذلك كان معتمدًا لغة الالتفاف على الوضع، ولهجات متعددة الجنسيات، ومحاولات ليست بريئة بالضرورة من هنا وهناك فرضت واقعًا محتقنًا جديدًا، هنا بدأ الناس في التفتيش مجددًا عن "صندوق دنيا"، أو مغارة لعلي بابا مكان صندوق النقد، وهنا يمكن أن نضع ألف تفسير وتفسير، لاستقالة المدير العام لوزارة المال ألان بيفاني بعد مناوشة أولية حول قرض لإنقاذ ماء الوجه.

لست لبنانيًا لكن يشرفني أن أكتب عن لبنان، ولست فينيقيًا لكن يسعدني أن يكون بنو فينيق في مأمن من كل شر، ولست متشبعًا بهدوء النخب بعد شهور من الخروج إلى الشوارع، والاحتكام إلى الأرصفة، رغم ذلك فإن عودة لبنان المحمودة تنتظرها كل العرب، كل العاشقين للوطن الخالد على مشارف المتوسط، وكل المتعطشين للأجواء المتفكرة عندما تتخلى عما يعصب عينيها، ويكمم فمها، ويزكم أنفها.

"كل من عليها فان"، صحيح، لكن الهداية من عند الله، والرعاية من الناس، والأبوية من رئيس الحكومة أو من قصر بعبدا في أقصى الحدث، وكل من عليها مستباح تلك هي دائرة الخطر، وهذا هو الموقف المفخخ من حزب أو فصيل أو عمدة متقاعد، أو تابع لغريب، لبنان لا بد من أن يكون مستقلًا بما فيه الكفاية، وأن يكون مستقيمًا في مطلبه العادل من أجل وطن آن له أن يستريح.

القرارات المجمدة لا تعود إلا لنتائج ضالة في معمل جريح، والنيات الحسنة كان يمكنها أن تقود البلاد إلى ما تحمد عقباه، بل وإلى ما يستحسن أن تُحمد عقباه، وليس إلى ما ليس لنا شأنًا به، وليس إلى ما يحك جلدك مثل ظفرك، جميعها شعارات مقبولة أو منقولة أو متعوب عليها، لكن في الوقت ذاته هو القلق الذي يفضي إلى معجزة، والألم الذي يقود إلى إسوة حسنة أو منزلةٍ أخرى، وهو الموقف المحايد عندما يقف على مسافة واحدة من الجميع، من المُعارض والمُطيع، من أجل لبنان حتى لا ينزلق الشارع، والشاب الضائع، والوطن الممانع في حفرة قطيع أو سد منيع.

لبنان فوق البركان، هكذا يمكننا أن نتحدث من بعيد، ومن خلال نشرات الأخبار، أو من طريق طوابير الخبز العصي، أو كوابيس البطاطس المتمردة، ليس الأمر في لبنان بهذه السهولة، وليس الواقع في الدولة الشقيقة بتلك البساطة التي يحاول أن يخرج بها الإعلام المرئي، أو التكهن المدسوس، الوضع جدّ صعب، اقتصاد يحاول التعايش بين جائحتين: كورونا، والاحتجاج على الحكومة، أما الوطن فهو الجزء المكمل للمشهد المبتسر، للأفق المهيمن على فتنة تحت الأرض، أو على موقف دخيل من طالب المستحيل، أو عزم فياض لكن تنقصه بشاشة الطرح، وعذوبة المقصد، ودماثة التعاطي.

لبنان فوق البركان، والأمة تراقب، لبنان يستنجد بعبقرية المكان، والأصدقاء يتابعون الموقف من كثب أو يستشهدون بماضٍ لم تخنه الذاكرة، أو بحدث لم يحالفه النسيان.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم