الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

المسافة بين المواطن والموت

المصدر: النهار
ساندرا عيد
المسافة بين المواطن والموت
المسافة بين المواطن والموت
A+ A-

هي حالة أقرب إلى المطهر، دخل فيها الشعب اللبناني بمعظم شرائحه؛ ففي هذه المرحلة الصعبة تتغير الأولويات لتضعنا تحديداً، ومنذ حوالى خمسة أيام، أمام معاناة شعب بكامله دخل في ميتاستاز métastase التأزم الوجودي. إنه الذلّ الذي حرم الإنسان حتى من تلقائيات بدائية كالمأكل والمشرب.

لكن هل سلسلة الانتحار التي شهدها لبنان، أمس، بنتيجة الحصار الاقتصادي - السياسي يمكن أن تشكّل مقدمة لإمكانية نهضة حقيقية للبلد فتكون هذه النهضة سابقة تاريخية للبنان؟ هل الدماء وفكرة الدمار الشامل للشعب اللبناني هي من أساسيات التغيير والنهضة لقيامة لبنان كما حاول أن يعبّر أحد الزملاء الصحافيين منذ فترة بأن قيامة لبنان غير ممكنة من دون موته وبالتالي إن معاناة الشعب جزء لا يتجزأ من شروط هذه القيامة؟ وإذا كان صحيحاً أن لحمة البلد وخلاصه يكمنان في صحوة شعبه باتجاه الاستنارة الفكرية، فهذا يعني أن الشعب بطبقتيه الوسطى والفقيرة، لطالما دفع من جعبته ثمن أخطاء سياسات فاشلة وغنائمية، ولذا هو وحده من سيعوَّل عليه في أن يكون الطريق باتجاه نهضة لبنان وقيامته؛ وهنا نقول إن مشهدية وحدة وفاق (نفاق) وطني محتملة على مستوى الخط السياسي التقليدي لن تكون إلا رجوعاً إلى الوراء وعوداً على بدء، ولن تكون إلا حلاًّ لإشكالية الاسوأ بالسيّئ.

إن سياسة التخيير بين أن تموت من الذلّ أو أن تعيش ذليلاً وعبداً، لا يجب أن تكون رهاننا على لبنان الغد الذي نطمح إليه.

إن منطق السياسات الترقيعية يجب أَلّا يقبل به الشعب إذا كان فعلاً هو يموت من أجل كرامته. من غير الصحي بعد كل ما مررنا به من معاناة أن نقبل بالسيّئ مقارنة بالأسوأ بدل أن نتمسك بالتضحيات التي قمنا بها منذ ١٧ تشرين الأول، وأن نتمسك بالأمل في إعادة هيكلة قواعد الدولة على معايير الحوكمة الرشيدة، وبنخب سياسية جديدة لا تمتّ بصلة إلى أي نهج ضيق الأفق وقروسطي المنهج. 

فليتنا نصنع هذه المرة للبنان استقلالاً حقيقياً لنحيك سيادته وحريته بخيوط ذهبية، فلا نسمح بأن تتجرّح من جديد مشاعرنا الإنسانية وعواطفنا حتى لا يصاب قلب شعب بأكمله بمناعة ضد الحياة بدل أن ينبض قلبه تمسكاً بالحياة .

إن هذا التمزق الكياني غير مقبول بتاتاً، ومسؤول عنه نهج سياسي مستدام في البلد (وطبعاً السياسة الحريرية على رأس خط هذا التأزم).

نحن بحاجة إلى خارطة طريق دولية متينة وخيطها نظيف، وأن نبني علاقات ديبلوماسية عالمية على مستوى رفيع، تبدأ بخطوات واقعية باتجاه تحصين سيادتنا واستقلالنا الداخلي على المدى المتوسط والبعيد. إن استقلالية الدولة ليست مسألة مطلقة تتم بحدث ما، أو بثورة عبثية مشحونة بردات فعل ليست بعيدة من المقاربات السياسبة الضيقة، بل هي استحقاق يومي خاضع للمساءلة وللتقويم الذاتي، وهذا يفترض سياسة جديدة لا تستثني المرونة والانفتاح في مقاربة شؤونه الداخلية كما الخارجية.

لقد وصلنا في البلد إلى مرحلة باتت قريبة جداً تلك المسافة بين المواطن وبين الموت، وصارت وشيكة تلك العبثية التي يمكن أن تتمظهر بمشهديات أخرى كالانتحار، خاصة بعد أن فقد المواطن إمكانيات الحد الأدنى لحصانة كرامته الإنسانية وصونها، وقد بات التعبير عن وجع كيانه ووجوده مسألة رفاهية لا تمتلكها إلا أقلية في البلد، وهذا جرم يصبّ في منطق الإبادة الجماعية وفي سياسة القتل غير الرحيم.

*إعلامية

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم