الصبر على الألم فضيلة

شيماء عويضة - مصر

يبتلينا الله سبحانه وتعالى في الكثير من الأمور ليري الصادق من مدعي الإيمان ويختبر مدى صبرنا على تحمل الابتلاء، ولكن علينا أن نعلم جيداً أن الله إذا أحب قوماً ابتلاهم.

فيبتلينا الله بالجوع ونقص الأموال والخوف وموت الأهل والأحبة والفراق. ونبتلي بالمرض وبالأقدار الصعبة التي يشق علينا تحملها، ولكن كل شيء يحدث لحمكة من الله عز وجل.

هل سبق لك أن أخبرك شخص أو سألته عن ماذا شعر عندما ابتلي بفراق واحد من أفراد عائلته المقربين له أو فراق الأحبة عندما سلبهم الموت منه؟

أو سبق لك أن سألت أماً عن شعورها لحظة موت إبنها وفراقه؟ أو سألت زوجة كيف واجهت خبر موت زوجها الذي أحبته لسنوات طويلة وعاشت معه أجمل اللحظات ويعز عليها فراقه، بل ويتمزق قلبها عليه؟ أو سبق لك أن سألت طفلاً عن فراق أمه؟

لتجيب قلوبهم قبل ألسنتهم وتنزف وجعاً وألماً فإذا أخبروك عن مدى حجم هذا الألم ومرارة الفقد وكيف تتلهف الأذن لسماع أصواتهم مرة أخرى وكيف تتمنى العين رؤيتهم مرة أخرى ولو لحظة واحدة، ومهما طال حديثهم عنهم لا تستطيع أن تشعر بهم إلا إذا مررت بما حدث لهم.

وهل سبق لك أن سألت إنساناً ابتلاه الله بالمرض كيف تلقى خبر مرضه وكيف كانت رحلته معه؟ مهما شرح لك لن تستطيع أن تشعر به إلا إذا مررت بنفس التجربة، وأدعو الله ألا يذوق إنسان مرارة الفراق أو المرض أو غير ذلك.

يمر أي إنسان ابتلاه الله بأي ابتلاء صغر أو كبر شأنه برحلة مليئة بالحزن والاكتئاب لا محال، ولكن المؤمن هو من يقابل أي ابتلاء بالصبر وعدم الجزع من رحمة الله ويظل لديه شعور بأن الفرج قادم من عند الله وأن اختيار الله يظل الأفضل فوق كل شيء وأن ماكتبه الله ستراه العين لامفر منه.

أتذكر جيداً اليوم الذي اختار الله عمي إلى جواره، وأتذكر مافعلته زوجته، فهي لم تقم بالنواح أو التلفظ بأي كلمة فيها تعدٍّ على حكمة وقضاء الله سبحانه وتعالى، فقط لم تنطق سوي جملتين ألا وهما؛ الصبر من عندك يارب والحمد لله، تاركه في ذهني تدعيم قوي لفكرة أن الصبر هو تصدى قوي لأي ابتلاء، وعلى الرغم من أن الوضع كان صعباً للغاية، فلم يخطر ببالنا يوماً قرب رحيل عمي ووفاته في حادث أليم تاركاً وراءه أولاده وحملاً ثقيلاً لزوجته، إلا أنها ضربت مثالاً حياً للصبر على الابتلاء. أدعو الله أن يربط على قلبها وأن يرحم عمي برحمته الواسعة ويسكنه فسيح جناته.

كانت الأنبياء أكثر الخلق ابتلاءً من الله. وأكبر الأمثلة على ذلك سيدنا أيوب عليه السلام حين ابتلاه الله في أعز وأعظم ما يملك، حيث ابتلاه في جسده وماله وأولاده، ففقد ماله، وأصيب جسده بالمرض الذي لا يستطيع أن يتحمله بشر ومات أولاده، بعد أن كان يملك الكثير من المال والأولاد وسائر أصناف وأنواع مختلفة من الأغنام والمواشي والأراضي الواسعة، ولكنه صبر وقابل الابتلاء بالشكر والسجود لله سبحانه وتعالى والتوجه له بالدعاء حتى أعاد الله له ماله وصحته وكثر نسله. وكان سيدنا أيوب يردد دائماً: إن الله يؤتي الملك لمن يشاء وينزع الملك ممن يشاء.

قال تعالى: "وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ، ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ، وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ، وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِراً نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ" . (سورة ص: الآيات 41 - 44)

وبالنظر لما نعيشه اليوم يعد فيروس كورونا من الابتلاءات العظيمة التي يجب أن نصبر عليها، والتي أراها اختباراً من عند الله للتمعن في قدرته جل جلاله ويعيد الكثير منا حساباته ويضعها في مكانها الصحيح.

وبعد أن طال زمن هذا الفيروس اللعين وضاقت صدورنا منه حيث جلب مع مجيئه الكثير من المشاعر السلبية من خوف وفزع وقلق وشك، هذا بالإضافة إلى بعض السلبيات المرتبطة بالاقتصاد وحركة التجارة الدولية وكسب العيش اليومي وشل حركة الكثير والكثير، ضعف إيمان البعض ونفد صبرهم وتسلل الإحباط إلى قلوبهم وانتشرت الكثير من التعليقات السلبية على مواقع التواصل الاجتماعي ونسوا أن الأمر كله بيد الله.

ولكن صبراً أيها الإنسان يا أعظم مخلوقات الخالق، لقد عايشت الكثير من الابتلاءات فعليك الصمود حتى تعبر المحنة ويأتي الفرج من عند الله.

يقول الشافعي عن الصبر:

ولرب نازلة يضيق بها الفتى ذرعاً

وعند الله منها الفرج

ضاقت فلما استحكمت حلقاتها

فرجت وكنت أظنها لا تفرج

عليك أيها المؤمن ألا تترك لليأس من قرب فرج الله باباً وأن تدع الشدائد تضعف إيمانك بالله عز وجل، ففرج الله آت لا محالة، سيفرجها الله كما يفعل بعد كل ضيق، وسبجازيك على صبرك سواء أصبت بالفيروس أو لا، ولكن يجب ألا تتخلى عن الإجراءات الاحترازية التي تقرها وزارة الصحة وأن تأخد بالأسباب.