السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

بسبب الجوع لن ينتحر حاكمٌ طاغية، يا عليّ!

المصدر: النهار
عقل العويط
عقل العويط
بسبب الجوع لن ينتحر حاكمٌ طاغية، يا عليّ!
بسبب الجوع لن ينتحر حاكمٌ طاغية، يا عليّ!
A+ A-

أمس، كان ينبغي لأحدٍ ما، في لبنان، أنْ ينتحر بسبب الجوع.



لكنْ ليس أنتَ.

أنا ساذجٌ، يا عليّ. ولفرط السذاجة، توهّمتُ في لحظةٍ خادعةٍ من لحظات الاغتراب عن الواقع، أنّ مسؤولًا ما، حاكمًا، زعيمًا، سارقًا، أو قاتلًا، لا بدّ من أنْ يطلق النار على رأسه، بسبب الجوع والتجويع، احترامًا للكرامة الذاتيّة والكرامة الوطنيّة، وأنْ يصوّر المشهد في رسالةٍ مرئيّةٍ ومسموعةٍ، على سبيل الاعتذار إلى الناس.

لكنّ أحدًا من هؤلاء لم يفعل. وهذا منطقيّ ومقنعٌ للغاية، وطبيعيٌّ إلى آخر الحدود.

لن ينتحر أحدٌ من هؤلاء، يا صديقي. فهل أقول: يا لسوء حظّكَ، ويا لقلّة عقلي؟!

رأيتُكَ أمس، ملقى على أرض الشارع العامّ، في عاصمتنا المضرّجة. فرأيتُ روحي مقتولةً معكَ هناك. ثمّ تعجّبتُ أنّهم رفعوكَ بعد وقتٍ، لينقلوكَ إلى مثواكَ، بدل أنْ يتركوكَ تستريح، ويشيّدوا لكَ ضريحًا في المكان، ويكتبوا على الشاهدة: "هنا يرقد عليّ الهقّ، انتحر بسبب الجوع الكافر".

كان ينبغي لكَ أنْ تظلّ مستغرقًا في نومكَ القسريّ هناك، وأنْ ينصبوا خيمةً فوقكَ جثمانكَ الهامد المطمئنّ، لئلّا تعتريكَ شمسُ تمّوز، فتؤذي نهاراتكَ البطيئة المضنية، وهديل أحلامكَ المتهادية في رأسكَ القتيل.

كان ينبغي لكَ أنْ تطالب بإبقائك حيث أنتَ. فلماذا لم تكتب ذلك، وتذكره بالحرف، في وصيّتكَ؟ هل أقول: سامحكَ الله على هذه الهفوة، يا عليّ؟!

قد تسألني لماذا تريد ذلك منّي، يا عقل العويط؟

لأنّي، يا عليّ، كنتُ أريد أنْ يلاحقهم – كعين هابيل - مشهدُ انتحاركَ في موضعه، وأنْ يقضّ مضاجعهم، ومضاجع نسائهم وأولادهم وأحفادهم، من أجل أنْ يظلّ هذا المشهد مغروزًا كالمخرز في أعين هؤلاء الطغاة الذين انتحروك، وفي نخاعاتهم الشوكيّة!

لن ينتحر أحدٌ ما، يا عليّ.

بسبب الجوع، أو التجويع، لن ينتحر رئيسٌ للجمهوريّة؛ ولا حاكمٌ طاغيةٌ؛ ولا رئيسٌ للحكومة؛ ولا رئيسٌ لمجلس النوّاب؛ ولا زعيمٌ حزبيٌّ وطائفيّ، ولا قاتلٌ متسلسلٌ؛ ولا سارقٌ من سرّاق الحياة والفرح والأمل؛ ولا صاحبُ سلاح؛ ولا نائبٌ؛ ولا وزيرٌ؛ أو واحدٌ من قطّاع الطرق والدين...

لقد آثرتَ، يا عليّ، أنْ تتولّى المهمّة، لأنّك تعرف.

فأنتَ تعرف أنّ الجبان لا ينتحر، وأنّ الرخيص لا ينتحر، وأنّ الفاسق لا ينتحر، وأنّ البلا ضمير لا ينتحر، وأنّ البلا شرف لا ينتحر، وأنّ الكاذب والسارق والفاسد لا ينتحر.

لكَ أنْ تغادر، لا بصمتٍ، بل بالصمت المزلزِل المدوّي، الذي يقتضيه شعورُ المواطن اللبنانيّ بأنّه بلا جدوى في جمهوريّة الحكّام البلا جدوى.

حسنٌ أنّكَ انتحرتَ، يا صديقي، لأنّ حاكمًا طاغية لن ينتحر، يا عليّ، بسبب الجوع!

[email protected]

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم