الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

لا أريد أن أغادر لبنان

المصدر: "النهار"
ميديا عازوري
لا أريد أن أغادر لبنان
لا أريد أن أغادر لبنان
A+ A-

لن أترك لهم الوطن. لن أتخلى عن المعركة ولا عن الحرب. لن أترك خلفي من أحب. لا عائلتي، لا حبيبي، لا أصدقائي، ولا ابني، بالتأكيد.

لا أريد أن أصبح منفية، لاجئة. لن أعطيهم متعة الفوز. لقد راهنوا على مللنا، راهنوا على أنّهم لا يُقهرون، على وسخهم، على سلاحهم وتهديداتهم. يحاولون أن يوقعونا في الفخ عبر خلق حالة من القمع، منعنا من انتقاد من هم في السلطة، وألّا نمسّ مقام رئيس الجمهورية ولا

مؤسسات الدولة، لكن من حقنا أن نطلب جردة حساب من الّذي يحكمنا أو من الذي سمحنا له بالوصول إلى السلطة العليا. من حقنا أن نطلب تفسيرات عن دور الصهر، عن تحالفاته المتناقضة، عن عدم تأديته المسؤولية التي اؤتمن عليها سنة ١٩٨٩ وبعد ٣٠ عاماً، وعن صمته.

لن أترك لهم الوطن. "فَشَر"، قد يسرقوننا، يدوسون علينا، يحرموننا من أدنى حقوقنا، كحرية التعبير، يرموننا بالغاز المسيل للدموع، يضربوننا حرفيّاً ومجازيّاً، يضوّروننا جوعاً، قد يمنعوننا من الوصول إلى أموالنا، يتلاعبون بسعر الدولار، يرتكبون جرائم بيئية، يبرمون صفقات احتيالية لكي يملؤوا جيوبهم. قد يرفعون أصابعهم طالبين منا الولاء لسوريا، والبصق على "قانون قيصر"، لكن لن ينالوا منّا بعد اليوم.

مرّت تسعة أشهر على ركوب ثورة تشرين قطار الحرية. تسعة أشهر والشعب ينادي بأنه اكتفى، بأنه يريد أن يزجّ بهؤلاء الحثالة في السجون وأن يدفعوا ثمن أعمالهم لكي يسترجع الوطن. تسعة أشهر من الحمل على أمل ولادة جديدة، لأن لا خيار لنا، ولا حلّ. ورغم أننا نناضل، مشاهدين الآخرين يتخلون عن صفوفنا، فإننا نعلم أننا قريباً سنكون أكثر عدداً. كلّا، لن نصفح عن أسماء من هم في الظل، يعملون على مسك زمام الأمور. لأن اليوم، بالرغم من طلب اللبنانيين زعماءً تمثّلهم، لن نعطيهم فرصة أبداً، مثلما فعلوا سنة ٢٠٠٥، بإسكات جبران تويني إلى الأبد، وسمير قصير وكل شهداء ثورة الأرز...

كلا، الثورة ليست منقسمة، وليست غير منظمة.

كلا، لم تفقد من قوتها، بالرغم من أن الساحات لم تعد تعج كالسابق، هنالك ناشطون يناضلون من أجل الآخرين بانتظار صحوتهم.

كلّا لن أترك لهم وطني الذي كان من الممكن أن يكون

أجمل بلاد العالم.

التاريخ سلسلة دوراتٍ وما من أحدٍ خالد.

كلّا، لا أريد أن أرى هجرة الأدمغة، لا أريد أن أسمع "يجرّبوا حظهم في مكان آخر"، لا أريد من أقربائي أن ينزلوا من السفينة لتدوس أقدامهم أرضاً غير أرض الوطن. فالأرض تحت أقدامنا كما كان البحر تحت الحصى.

يجب أن تستفيقوا. أن تحملوا هذا العلم المزين

بالأحمر، بالأبيض، وبتلك الأرزة التي ترمز إلى القوة. إذا هاجرنا تاركين وراءنا بلدنا، فكأننا اقتلعنا هذه الشجرة الألفية.

كلّا لن أترك لهم وطني وهو لكم أيضاً، فلا تتركوه، وسيشكركم التاريخ والأجيال القادمة... وهذا لا ثمن له.

*الكاتبة أرسلت المادة المعربة الى "النهار"، ونشرت أيضاً في "لوريان لو جور". 

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم