السبت - 20 نيسان 2024

إعلان

حرب مياه عبر "تيك توك"... أزمة سد النهضة تتفاعل جماهيرياً

المصدر: "النهار"
القاهرة- ياسر خليل
حرب مياه عبر "تيك توك"... أزمة سد النهضة تتفاعل جماهيرياً
حرب مياه عبر "تيك توك"... أزمة سد النهضة تتفاعل جماهيرياً
A+ A-
وتأتي هذه المعركة الإلكترونية على خلفية إعلان أديس أبابا قرار ملء بحيرة سد النهضة، خلال الأشهر المقبلة. وفي أعقاب هذا القرار دخلت الأزمة مرحلة جديدة، بعد تعثر المفاوضات بين إثيوبيا (دولة المنبع)، ومصر والسودان (دولتي المصب)، وهو ما قاد إلى مطالبة القاهرة والخرطوم مجلس الأمن، قبل أيام قليلة، بالتدخل لحل الأزمة، في خطوة تصعيدية غير مسبوقة.

وتفجرت حرب "تيك توك" قبل أن تتوافق الدول الثلاث خلال القمة المصغرة للاتحاد الإفريقي، أمس، على التوصل لاتفاق ملزم لجميع الأطراف في غضون أسبوعين، ورغم ذلك ما زالت مشتعلة نظراً لتداول مقاطع الفيديو القصيرة على نطاق واسع.



وهناك مخاوف في دولتي المصب من التأثير السلبي للسد على حصصهما من مياه النهر خاصة مصر التي يمدها النيل بقرابة 90% من احتياجاتها المائية.

حرب الفيديوات

ويقول أحمد عصمت الخبير في تكنولوجيا الإعلام والتحول الرقمي لـ"النهار": "إن تيك توك مملوك لشركة صينية، وقد بدأ في العام 2016 لكنه حقق نقلة نوعية في العام 2017 بعد دمجه مع تطبيق ميوزيكلي. وقد أعلنت الشركة المالكة للتطبيق من قبل أنها لا تريد أن يتحول تطبيقها إلى أداة سياسية، ولكنه في الواقع بات قوة مؤثرة، تستخدمها أطراف سياسية متنوعة".

وأشار عصمت إلى أن "هناك تحولاً ملحوظاً في استخدام تكنولوجيا المعلومات في الصراع حول سد النهضة، فقد بدأ الأمر في بتدوينات، ثم جرى تخصيص هاشتاغز للمعارك الإعلامية، وبعد ذلك اتجهت المعركة نحو استخدام مقاطع الفيديو القصيرة في الصراع الإعلامي، نظراً لأنها باتت مؤثرة جماهيرياً وواسعة الانتشار".



وشكل "تيك توك" الميدان الرئيسي للحرب الإعلامية الملتهبة حول مياه النهر، أخيراً، وبدأ الصراع بنشر نشطاء إثيوبيين سلسلة من مقاطع الفيديو التي تسخر من مصر وحقوقها المائية، وتوجه إهانات للدولة التي وصفها المؤرخ اليوناني هيرودوت بأنها "هبة النيل"، ما أثار حفيظة المصريين.

ومن أكثر المشاهد انتشارا وتكرارا بين مستخدمي التطبيق من الإثيوبيين، هو مقطع يظهر فيه أحد الشبان الإثيوبيين وأمامه أوعية، تمثل إثيوبيا، والسودان، ومصر. يملأ وعاء إثيوبيا، ويضع بعض الماء في وعاء السودان، ثم يضع القليل من الماء في وعاء مصر وسرعان ما يفرغه، ولا يكتفي بذلك، بل يجفف الوعاء بمنشفة من القماش أو بقميصه.



هذه المقاطع استفزت قطاعاً كبيراً من المصريين المستخدمين لـ"تيك توك"، فقرر بعضهم الرد بطرق متباينة. فإلى جانب موجة التعليقات العارمة التي أمطروا بها مقاطع الفيديو هذه، أنتج بعض الشباب المصري مقاطع فيديو طريفة وأخرى جادة تدافع عن حق مصر في مياه النهر.



استفزاز واستدراج

ويقول الدكتور فتحي الشرقاوي أستاذ علم النفس السياسي بجامعة عين شمس لـ"النهار": "إن هذه الفيديوات تعكس المستوى الثقافي ومستوى الوعي لدى الشعوب. إذا قمنا بتحليل مضمون هذه المقاطع، يمكننا أن نتعرف إلى طبيعة البناء النفسي والانفعالي للمجتمع الذي يصدر منه هذه المحتوى".

ويضيف الشرقاوي: "حين ننظر إلى مقاطع الفيديو التي بثها الإثيوبيون، سنجد أن فيها قدراً كبيراً من الاستفزاز والسخرية من مصر باعتبارها الطرف الذي دخل في صراع مع إثيوبيا حول سد النهضة".

ويرى أستاذ علم النفس السياسي: "أن تلك الشعوب التي تتعرض للقهر، وليس لديها أي فرصة للتنفيس أو التعبير عن وجهات نظرها، هي في الواقع شعوب متخلفة ثقافياً واقتصادياً وسياسياً واجتماعياً وطبياً، ومن ثم فإن المتنفس الوحيد للشعور بالذات لديها، يكمن في أن يشعروا بأن ذلك السد مسألة قومية ومصيرية، وتخص أمن إثيوبيا ومستقبلها. مع كل هذا التضخيم أصبح هناك شعور بـ"أنا والآخر"، والآخر هنا هو مصر".

ويتوقع الشرقاوي "أن يكون هذا شغل استخباراتي وليس فعلاً شعبياً عشوائياً. والهدف من ذلك هو  تكوين هالة من التأييد والانفعال (حول المشروع الإثيوبي)، تؤثر على الطرف الآخر وتجعله يشعر بالاستفزاز والانفعال، كي يضمن في المرحلة الثالثة أن يحدث العدوان. وهذه عملية تعرف بالحرب الباردة".


حملة ممنهجة

ويقول عبد الحليم حفينة الصحافي المتخصص في شبكات التواصل الاجتماعي لـ"النهار": " دشن الإثيوبيون عبر مواقع التواصل الاجتماعي هاشتاغز ourdam# الهدف منها تجييش المجتمع الإثيوبي، وتعزيز خطاب الكراهية الموجه إلى مصر، ويتزامن هذا كله مع تفاقم الأزمات الداخلية في البلاد".

ويشير حفينة إلى أن "آبي أحمد رئيس الوزراء الإثيوبي نفسه استخدم موقع فيسبوك في استغلال قضية سد النهضة كفزاعة عندما تحدث في مقطع فيديو من 11 دقيقة على صفحته الشخصية مبررًا قرار مد ولايته وولاية الإدارات الإقليمية، بوجود أخطار تهدد أمن بلاده مستدعيًا قضية سد النهضة في سياق الحديث".

"وباعتبار وسائل التواصل الاجتماعي أحد أهم الأدوات التي من خلالها يمكن توجيه الرأي العام، يمكننا أن نلاحظ أن الخطاب الإثيوبي على مواقع التواصل الاجتماعي انفعالي إلى درجة كبيرة" ،يقول الصحافي المصري، "وذلك نتيجة لحملة قادها الإعلام الإثيوبي معتبرًا مصر دولة تهدد طموح التنمية وتتشدد في مطالبها على طاولة التفاوض".

ويرى حفينة أنه "في النهاية لا ينبغي الانجرار إلى هذا الاستفزاز المتعمد، والاستمرار في الوسائل السلمية حتى لا تفقد الدولة المصرية حضورها القارّي والعالمي، وترك مناقشة الخيارات الخشنة للمؤسسات المنوط بها اتخاذ القرار، فلا يمكن أن يناقش قرار حرب عبر منصات التواصل الاجتماعي، خاصة أن هذه النبرة الحادة تكون واسعة الانتشار ولها مردود سلبي على متخذ القرار الذي قد يضع في اعتباره الغضب الشعبي الذي تعكسه منصات التواصل الاجتماعي".

صدام حتمي

ويقول الدكتور ضياء الدين القوصي مستشار وزير الري المصري السابق لـ"النهار": "إثيوبيا لديها صراعات أثنية وقبلية داخلية، كما أن هناك انتخابات خلال أشهر قليلة، ولهذا فالأمور الداخلية ملتبسة للغاية، وأتصور أن التصعيد يحدث لامتصاص الغضب الداخلي".

ويرى القوصي "أنه لا مفر من المواجهة بين القاهرة وأديس أبابا. ليس بالضرورة أن تكون المواجهة عسكرية، فهناك مجلس الأمن، والجمعية العامة للأمم المتحدة، وكذلك التضييق عليهم في بعض المناطق مثل جنوب السودان، وإريتريا، والصومال، وجيبوتي أو غيرها".

ويؤكد الخبير أن "مصر لن تستسلم لما تحاول إثيوبيا فرضه، وأديس أبابا لن تتراجع عن مطالبها المجحفة، ومن ثم لن يكون هناك حل سوى المواجهة في نهاية المطاف".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم