الجمعة - 26 نيسان 2024

إعلان

سد النهضة... حيًّا أو ميتًا!

المصدر: النهار
أسامه مهران
سد النهضة... حيًّا أو ميتًا!
سد النهضة... حيًّا أو ميتًا!
A+ A-

لم تكن صدفة تلك التي دفعت المنطقة إلى شفا الحرب، ولم يكن خطأً عفويًا ذلك الذي دفع بأثيوبيا لكي ترمي بكل أحجارها في مياه النيل الأزرق كي تصنع منه سد النهضة، لكنه المخطط الجيوسياسي، الذي يفهم في تركيع الأمم، ويعرف في رافعات أعمالها، ويدرك مآلات تواريخها.

من يشجع على السد المنيع، هو نفسه من يتربص في الغرب من مصر، وفي الشرق من سيناء "العصية"، هو نفسه الذي يحاول عن عمد "أن يخفض جناح الذل من الرحمة"، ويلقي بشعب "لم يكن مختارًا" إلى التهلكة، إنه الفعل المشين الذي يعرض الأمن والسلم الدوليين إلى الخطر. الكاتب اللبناني المعروف حمزة عليان في مقاله "المهيمن" بصحيفة الجريدة الكويتية يكتب عن سد النهضة مستعينًا بسوءات سد أتاتورك التركي الذي حرم سوريا والعراق من حسنات "ما بين النهرين"، وجعل من الأمر الواقع صفعة على قفا من يتجرأ على الرد، ورصاصة في قلب من تهيئ له هواجسه أن "العين بالعين" و "السن بالسن" عملًا لا يعاقب عليه القانون الدولي.

تمكنت تركيا من سدها، ولم يتمكن العراق أو سوريا من مياهه، سياسة "البقاء للأقوى" نجحت في الشق العربي من آسيا عندما اصطدم بالحليف الأوروبي، وتوشك أن تنتهج المسار ذاته في أفريقيا عندما يبدأ "المسيح الدجال" في ملء خزان السد "العظيم" على بعد 20 كيلو مترًا من السودان "الشقيق".

مصر بشعبها المناهز لـ110 ملايين نسمة، والسودان بتعداده الذي يبلغ الخمسين مليونًا اقتربا من خسارة كل شيء، النيل الأزرق تم السطو عليه في غفلة من ثورات ورقية، تم اختطافه على طريقة حرامي "المحفظة" في مترو متعدد المحطات، ووسط مفاوضات ماراثونية استمرت لأكثر من عشر سنوات، مصر لجأت إلى مجلس الأمن، إلى المجتمع الدولي لكي يتحمل مسئولياته، وكأنها لا تريد أن تلعب بورقة صفراء داخل ملف "السد المريب"، ورقة يبدو أنها عصية المنال رغم إمكانية الزج بها في مفاوضات أخرى عقيمة، ورقة الضغوط الجانبية، التي تتمتع بها كل من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات، استثمارات كل منهما بالمليارات في وديان الحبشة وأراضيها السمراء، وسهولها الغضة المطيرة، استثمارات يمكن الضغط بها لو أرادت الشقيقتان، لو سمحت لهما أثيوبيا بالحديث عن انسحاب محتمل لأموال طائلة من أراضيها، ربما لأن أثيوبيا بعقليتها التي سرقت بها مياه النيل الأزرق، واستولت أو كادت على 74 مليار متر مكعب من المياه عنوة من مصر والسودان، وما حولهما، قد تعتبر بأن استثمارات "الشقيقتان" رهينة لدى "الأحباش" وليست استثمارات بالمعنى المتحضر المعروف.

على طريقة حرامي "المحفظة" تفكر أثيوبيا، في المياه، في الفلوس، وحتى في العلاقات الثنائية والمفاوضات الماراثونية، من يستطِع أن يبلغ خطوط التماس أولًا يظفر بالغنيمة، ومن يتبع "عين العقل" عليه أن يطالب وعلينا الرفض أو الاستطاعة، وليس السمع والطاعة.

هذا هو المنطق الأثيوبي في جدلية "سد النهضة" الذي يطلبه المصريون حيًا أو ميتًا، حيًا بملء تدريجي على مدى سبع سنوات مع مراعاة ما يسمى بفترات الجفاف والجفاف الممتد، أو هدم مباغت قد تتحمل عقباه كل دول المنطقة، حيث التنمية الأثيوبية لن تتم أبدًا على حساب حياة شعوب، رغم أن تلك التنمية يمكن أن تحقق الرفاه للجميع، والسلام للطرف "المُطيع"، والحياة الأبدية للسد "المنيع".

مصر في موقف لا تحسد عليه، والليلة التي هي أشبه بالبارحة يذكرنا بها الصحافي المتجول "سابقًا" حمزة عليان، عندما زار سد أتاتورك، ومن بعده "السادة" في العراق، لكن أحدًا لم يستمع لأسئلته الحوارية حول "الصمود والتصدي"، وإذا ما كان في الإمكان أبدع مما كان.

المأساة تتكرر فصولها وسط غموض وترهات من هنا وهناك، حول القوة العسكرية الفعلية لمصر وإذا ما كانت قادرة على الوصول إلى السد الذي يعد مزعومًا حيث إننا على بعد أيام ويبدأ "الأحباش" في الملء، أم أن حسابات الفراعنة مازالت قيد البحث والدراسة، وجيشها الممتد شرقًا وغربًا وجنوبًا إلى منابع النيل العظيم مازالت لديه ثكناته الداعمة، وتحالفاته المناوئة، وإرهاصاته المدججة بمؤامرات دولية تتزعمها تركيا وقطر؟

أسئلة ترتبط عصبيًا بالمواجهة المسلحة، بموازين القوى على الأرض، لماذا ياصديقي لم تشر في مقالك الرائع إلى موازين القوى على الأرض، إلى الدول المتحالفة مع أثيوبيا وتلك المتنطعة مع مصر، إلى براثن الدبلوماسية ومرحلة ما بعد مجلس الأمن؟ هل الملف الساخن يمكنه أن ينفذ بسلطان إلى ما يسمى بالمجتمع الدولي؟ ثم لماذا يتحدث العرب دائمًا بلغة "على الآخرين أن يتحملوا مسؤولياتنا"؟ لماذا نحمل الآخرين تبعات أخطائنا، وكوارث ما تقترفه أيادينا؟ هل مازالت لدى مصر أو السودان أوراق مطوية يمكن إخراجها من سترة بهلوان، أو من جعبة فقيه، أو من حصافة مدعٍّ؟

ربما لن ينقلب السحر على الساحر، وربما تندم أثيوبيا على اللعب بورقة الوقت حتى يسهو الشريكان في النيل وينشغلا بثورات أخرى تحت الإعداد، أو بنعرات اتكالية تعتمد الدعاء إلى الله حلًا، والاستعانة بالكنيسة المشتركة طريقًا سماويًا للخلاص، لكن لا "أبي أحمد" في أعالي النيل الأزرق سيكون قادرًا هذه المرة على إعطاء الخد الأيسر لـ"العدو" كي يفعل به ما يشاء، ولا الخد الأيمن يمكن أن يقبل صفعة من دول المصب يستعيدون بها ما فقدوه من مياه، وما عثروا عليه من أرباع فرص، لإعادة مياه النيل المكلوم إلى مجاريها، والاستثمارات إلى قواعدها، وقوافل العدة والعتاد إلى سابق عهدها. كل ما هنالك مجرد حديث ساخن بين أمر واقع، وحقوق تاريخية أكل عليها الدهر وشرب، و 150 مليونًا معرضين للعطش وربما للموت بعد أسابيع من الوقت، وعلى بعد أمم غير متحدة من التعاطي.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم