مهرجانات بعلبك تعود من دون جمهور... "البلد بلا ثقافة، لا مستقبل له"

موسم مهرجانات استثنائي لسنة استثنائية. تأتي ذكرى مئوية لبنان الكبير محمّلة بالخوف والمجهول. لبنان، بلد الفنّ والموسيقى، أوشك على الإغفال عن الذكرى الـ250 لميلاد المؤلف الموسيقي بيتهوفن. مهرجانات بعلبك الدولية التي وضعت اسم لبنان على لائحة السياحة الثقافية- الفنية العالمية كادت أن تكون أكثر المتضررين هذا الصيف. إلّا أن حفلاً موسيقياً، بلا جمهور، بعنوان "صوت الصمود" (The Sound of Resilience)، للمايسترو هاروت فازليان جاء ليحول دون تعليق المهرجان، فكان الأول بعد أزمة #كورونا في لبنان والشرق الأوسط.

من قلب معبد باخوس الروماني، ومن مدينة الشمس، ستصدح الموسيقى، نافضة عن البلد الألم، باعثة، وإن لليلة واحدة، الأمل في القلوب. لعلّه جلّ ما نتمنى اليوم. ربما "ليست عودة فعلية للمهرجان"، وفق ما يقول المدير العام لمهرجانات بعلبك الدولية غي يزبك لـ"النهار"، "لأن ما يُقدّم هذا العام مختلف كلياً. حركة رمزية، ليقين بأنّ الثقافة يمكن فصلها، ولو قليلاً، عن منطق الأزمات والمصاعب المالية والصحية والاجتماعية، وهي الوحيدة القادرة على مدّنا بالأمل".

يكتسب الحدث صفة "الضخم" لأهمية الأسماء المشاركة فيه. فبعلبك وجمهور المهرجان على موعد مع مجموعة شبان، عمل المايسترو فازليان على تقديمهم للجمهور، كنوع من تمكين الشباب، إلى جانب الأوركسترا الفلهارمونية اللبنانية وجوقة الجامعة الأنطونية، وجوقة جامعة سيدة اللويزة، بمرافقة جوقة "الصوت العتيق" بقيادة فازليان، بالإضافة الى مشاركة الممثل رفيق علي أحمد وراقصين من فرقة "Charles Makriss Ministry"، في وقت تُشخّص الأنظار إلى سينوغرافيا الحفل، التي تتخللها صور من الأرشيف وإبداعات بصرية، عَمِل جان لوي مانغي على جعلها تليق بتاريخ المهرجانات والمعبد.

"نريد أن يرى العالم أنّ اللبناني هو أول مَن يقدّم حدثاً ضخماً في هذه الظروف، محترماً المعايير الصحية"، يشرح يزبك، "في وقت يفرّقنا كلّ شيء، فنحاول الجَمْع بالثقافة والموسيقى". يشدّد على "المنافع المعنوية" للحفل الذي يقدّم المشاركين فيه ورعاته مجهودهم من دون أي مردود مادّي. "نعتمد على دعم الوزارات المعنية الملحوظ لتسهيل العمل".

يعشق المايسترو هاروت فازليان التحدّيات. "نقدّم اليوم أول حفل في العالم، بعد كورونا، لجهة عدد المشاركين على مسرح واحد"، يقول لـ"النهار"، "مع التزامهم بقواعد السلامة". يرفض تسميته حفلاً. "هو رسالة". يريد أن يرى العالم من خلالها أنّ "شعب هذا البلد الصغير مكافح، وسينجو من الأزمات فكرياً وجسدياً". لماذا بعلبك؟ "في القلعة طاقة إيجابية ومشاعر متداخلة لا أستطيع التعبير عنها"، يقول فازليان، "كان ضرورياً أن أقدم رسالة الأمل من بعلبك، لبعلبك وللعالم. أريد القول إنّ الحياة الثقافية في لبنان تخطّت كوفيد-19 واستمرّت". لمدينة الشمس رمزية خاصة. شمس خلف الغيوم ونورٌ بعد ظلمة. هي التي صدح في معبدها صوت السيدة #فيروز: "ليش ما بتطلع يا قمر؟" فانشقت الغيوم وأنارت القلعة، بحسب رواية المصور الراحل فاروجان سيتيان. "تيقّنت من بزوغ الشمس من جديد لحظة بدأنا التمارين"، يشدّد فازليان.

تجمع مخاوف انحدار الثقافة وزوالها لبنانياً، فازليان بيزبك. "إذا توقفت رسالة لبنان الثقافية، مات"، يقول الأخير. يؤكّد فازليان على كلامه بقوله: "فليكن معلوماً أن البلد الذي لا ثقافة له، والذي لا يشجّع الثقافة، لا مستقبل له". يتابع: "بموت فكرنا وثقافتنا نقطع أمل الأجيال المقبلة". يعطي المايسترو الموسيقى حقّها. "تستحق الاحترام، هذه اللغة التي يفهمها الجميع ويشعرون بها مع سقوط الهويات واللغات". يريد أن "يخبر قصّة بعلبك ولبنان". يريد أن يقدّم وطنه للعالم، ولكل مَن لا يعرف الكثير عن الثقافية الموسيقية اللبنانية. "عندما تعزف على المسرح، تقدّم جزءاً من روحك، وتدرك فهم الجمهور لما يسمع عندما ترى أنه يشاركك الحسّ".

يريد يزبك أن تصل صرخة القطاع الثقافي اللبناني. يقرع كلّ ناقوس، ويشاركه فازليان الهاجس. "هذا وطني الذي أحب"، يقول المايسترو. "عرفت الحب للمرة الأولى تحت سمائه، وبكيت للمرة الأولى هنا، وهنا ضحكت وتعثّرت ووقعت عن دراجتي، وعدت فقمت".