أجواء مشجعة للمفاوضات النيابية مع صندوق النقد

فيما ينعقد لقاء بعبدا اليوم بمن حضر، يبقى الاهتمام منصباً على الشأنين الاقتصادي والمالي في ظل استمرار العجز الرسمي عن وضع قطار المعالجة على سكة التنفيذ.

وعلى أهمية البند المطروح على جدول اعمال الجلسة الحوارية، والمتعلق بحماية السلم الأهلي، تبقى الاولوية القصوى اليوم للملف المالي تحت وطأة خطر الانفجار الاجتماعي الذي يهدد مختلف شرائح المجتمع اللبناني. ذلك ان مستوى التمثيل في اجتماع بعبدا، والذي يغيب عنه المكون التمثيلي السني الوازن، كما المكونين المسيحيين اللذين لا يقلان وزناً عن " التيار الوطني الحر"، يجعل اي بحث في السلم الأهلي عقيماً في غياب الأطراف المعنيين ولا سيما على الضفة السنية. اما مشاركة رئيس الحكومة في الاجتماع، فلا تعوض الغياب السني، على ما تقول مصادر معنية، باعتبار انه لا يحظى بالشرعية الشعبية التمثيلية لطائفته. فالخطر على السلم الأهلي، كما بينته احداث سبت الشغب، وعكسته التقارير الأمنية لدى الأجهزة المعنية يتجلى في الشارعين السني والشيعي، وهو ما يتطلب معالجة على مستوى قيادتي هذين الشارعين.

وفي هذا السياق، لا تخفي هذه المصادر أسفها للفخ الذي استدرجت اليه بعبدا في رعاية هذا الحوار، حيث يتجلى واضحاً ان الهدف لم يكن الحوار في حد ذاته، او العناوين التي طرحها، بل إظهار العزلة الداخلية التي يتعرض لها العهد في ظل مقاطعة مختلف المكونات السياسية الوازنة في البلاد له، والمعروفة على عزلة خارجية مماثلة.

في المقابل، تبرز المواقف التي أطلقها رئيس مجلس النواب نبيه بري في الاجتماع الطارىء لقيادات حركة "أمل"، وركز فيها على الهم المالي والاقتصادي، في ظل المخاطر الناجمة عن صفقة القرن وقانون قيصر، كما جاء في الخبر الموزع عن الاجتماع. فقد أكد بري ان انهيار سعر صرف الليرة امام الدولار يفرض على الحكومة وعلى المصرف المركزي وعلى جمعية المصارف اعلان حالة طوارئ مالية وإعادة النظر بالإجراءات التي اتخذت لحماية العملة الوطنية، معتبراً انه من غير المقبول ان بعد الآن جعل اللبنانيين رهائن للاسواق السوداء في العملة والغذاء والدواء والمحروقات". ولم تفت بري الإشارة الى المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي من باب تحذير من يعتقد ان الصندوق او اي دولة يمكن ان يقدم قرشا واحداً اذا لم تنفذ الإصلاحات، مسميا الكهرباء في مقدمها وحماية الناس وممتلكاتهم، في رسالة واضحة الى رفضه المبطن لما أوردته خطة الحكومة على هذا الصعيد، ولا سيما لجهة المس بودائع الناس.

وكلام بري يؤكد الدعم الذي يوفره للجنة المال والموازنة ولجنة تقصي الحقائق المنبثقة عنها في مساعيها من اجل توحيد الخسائر المالية للقطاع المالي والمصرفي في المفاوضات الجارية مع صندوق النقد الدولي، والتي ينتظر، انطلاقا من المعلومات التي رشحت عن مشاورات اللجنة مع الصندوق اول من أمس، ان تسهم في اعادة النظر بالارقام التي قدمتها الحكومة في خطتها، بعدما استمع ممثلو الصندوق بتأنٍ الى أعضاء اللجنة في شرحهم للمقاربة المعتمدة في احتساب الخسائر.

وعلم ان أعضاء اللجنة ركزوا على ٤ نقاط أساسية في محادثاتهم:

■ ان حقوق المودعين وممتلكاتهم يصونها الدستور، ولا يمكن اي خطة حكومية ان تمس بها ما لم يتم تعديل الدستور في هذا الشأن.

■ ان لجنة تقصي الحقائق لا تحتكر تقديم ارقام، بل دورها يرعاه النظام الداخلي للمجلس الذي يجيز لها ان تدقق وتحقق وتستقصيها الحقائق.

■ ان آلية تقصي الحقائق التي اعتمدتها اللجنة ارتكزت على مشاورات مع كل القطاعات المعنية بهذا الموضوع، وهو ما لم تقم به الحكومة، التي اقتصر عملها على وضع الخطة من دون التشاور او العودة الى القطاعات المعنية.

■ ان خفض الأرقام ولا سيما في ما يتعلق بالديون الهالكة ( على سبيل المثال لا الحصر) استند الى لجنة الرقابة على المصارف المعنية المباشرة بهذا الامر. وقد نجحت اللجنة في الاستحصال على اعتراف ممثلي الصندوق بالمقاربة التي قدمتها في هذا الشأن.

وفي انتظار ان تقدم اللجنة تقريرها النهائي الى رئيس المجلس بعد انجازه، لا يخفي أعضاؤها ارتياحهم لأجواء المفاوضات مع الصندوق التي يمكن ان تؤسس لتقدم على هذا المستوى، انطلاقا من التزام الصندوق تجاه لبنان. وفي هذا المجال، تستبعد مصادر اللجنة ما تردد من اجواء تدفع باتجاه إمكان اعتذار الصندوق لأن هذا الامر غير مطروح أساسا وغير وارد لأنه في صلب مهمات المؤسسة الدولية التي أنشئت على اساسها، وفي صلب قانونها. فلبنان يدفع متوجباته كاملة منذ تأسيس الصندوق وانضمامه الى عضويته. وأي كلام عن اعتذار غير وارد، حتى لو تراجع لبنان عن طلبه!

sabine.oueiss@annahar.com.lb