الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

سارة حجازي: القتل يغلب الانتحار

فاطمة عبدالله
A+ A-

حين يغادرنا الأشخاص، يرتفعون في المراتب، بعدما كانوا في حضورهم أقرب إلى عادي الأيام. فظيع الرحيل، وهو يقلب جمر الندم فيحرق في العمق. تحرّك رسالة سارة حجازي الضمائر بعد فوات الأوان، ككلّ الأشياء المغدورة بالوقت الضائع. تختار النهاية بنُبل وتسامح على الوجع. نفسٌ عظيمة لم تتّسع لها الأرض، تستريح بالرحيل.

الشفقة على مَن يتنفّسون وهم أموات. على الجلّادين وهم يطفحون بالرذيلة. على القساة، وهم في قعر الأخلاق، يقتلون القتيل ويثرثرون في جنازته. النفاق قاسٍ يا سارة. الناس بمئة وجه. نفوسهم سوداء كريش غراب. قلوبهم محشوّة بالشوك. يمارسون القتل بنظراتهم الموجعة، بخذلانهم، بصفعاتهم، بألسنتهم وهي تبخّ السُّم. كلّهم قتلة يا سارة. منافقون. واليوم تعلنين نهاية المعركة، ليس بالانكسار ولا بالانسحاب المهزوم، بل بالقرار المُنقِذ من اليأس، والموقف الشجاع من عمق الضعف، وأنتِ ربما تعلمين أنّ الانتحار ليس الحلّ، لكنّه في ظرف ما، في جرح ما، في منفى ما، قد يكون الرسالة والحضّ على إكمال المشوار، وهو مشوار المساواة والعدالة الاجتماعية، والحقّ بالاختلاف والرأي والشعور والميول والعلاقات، طالما أنّها لا تؤذي ولا تضرّ.

سارة حجازي قُتلت ثم أعلنت مقتلها بانتحارها. قتلها قمع الأنظمة وظلم الأحكام، والإحساس بالاضطهاد واللاانتماء وقهر العيش في وطن. تكتّلوا جميعهم ضدّها: المكان وهو يتحوّل سجناً خانقاً، والسجن وهو يفترس روحها وجسدها، والجسد وهو يتعذّب في معاركه، والنضال وهو يُتعِب من دون أن يثمر، ويهدّ الحَيل من دون أن يخرق الضمائر. القسوة ليست في هذا كلّه فحسب. هي في جلد الجثة ورجمها بالحجار. في تنكيل سكينتها واضطهاد لحظاتها الخاصة. بائسون مَن يوكّلون أنفسهم مَهمّة الحساب، ويستعيرون بعضاً من دور الله، فيحلّلون ويحرّمون ويغلقون باب الجنّة ليشرّعوا أبواب النار. الله بريء من جلّادي هذه الأرض.

العالم القاسي إلى حدّ فظيع قد لا يستحقّ السماح. النفس الرائعة تسامح لترتاح. الحاقدون هم الموتى.

[email protected]

Twitter: @abdallah_fatima

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم