لبنان انزلق نحو الجحيم وأميركا على وشك الانزلاق!

قبل أيّام قليلة تلقّيت رسالة إلكترونيّة (إيميل) من مُتابع أميركي جدّي ومُزمن لأوضاع بلاده كما لأوضاع دول عدّة في الشرق الأوسط وفي العالم. وقد تناول فيها التطوّرات الداخليّة في الولايات المتّحدة بعد القتل العنصري المُتعمّد الذي قام به شرطيّ أبيض في مينيابوليس لأفريقي أميركي هو جورج فلويد تحت سمع ونظر ثلاثة من زملائه في الدوريّة بيض مثله. ماذا قال في الرسالة؟ قال: "لا أعرف يا صديقي على أيّ بلاد يجب أن أقلق بلادُك أم بلادي. بلادُك لبنان تنزلق نحو الجحيم وقد لا تستطيع أبداً الخروج منه أو التعافي من آثار الوقوع فيه بل المكوث فيه مدّة طويلة. وبلادي أميركا على وشك الانزلاق نزولاً نحو الجحيم أيضاً. في زيارته الأخيرة لإسرائيل أخبر وزير خارجيّتنا بومبيو نتنياهو أنّ السعوديّة ستوقف كل أشكال التعاون مع بلاده إذا ضمّت الضفّة الغربيّة. وسيكون مُستحيلاً على بلادي وإسرائيل قبول أمرٍ واقع يفرضه "حزب الله" في لبنان الأمر الذي سيدفعها إلى التفكير في احتلال بيروت واضعة مع أميركا بذلك حدّاً للبنان المستقلّ. أعتقد أن "الحزب" يعرف ذلك. أرسلت إليك "إيميلاً" يتعلّق بالاعتذار الذي قدّمه رئيس الهيئة المشتركة للأركان في القوّات المُسلّحة الأميركية لاشتراكه في السير من البيت الأبيض إلى كنيسة مار يوحنا القريبة جدّاً منه مع الرئيس ترامب، كما في الوقوف أمام الإعلاميّين الذين وثّقوا ذلك بصورة حمل فيها الرئيس التوراة. علماً أنّه استخدم الشرطة والحرس الوطني لإبعاد المُتظاهرين المُحتشدين حول مقرّه بإطلاق القنابل المسيّلة للدموع عليهم والرصاص المطاطيّ كما قنابل "الفلفل". يبدو أن القوّات المُسلّحة العاملة أي التي في الخدمة تُعلن موقفها من كل ما يجري بصراحة ووضوح. وهي حقيقة غاضبة على ترامب بل "جانّة" منه لمحاولته تسييسها، ولدعوته الرئيس الروسي بوتين إلى الإشتراك في قمّة "مجموعة السبعة" (G7) التي كانت مُقرّرة في أميركا والتي حدّد لها هو البيت الأبيض مقرّاً للاجتماعات، ولإقدامه على سحب ألف عنصر منها عاملين في حلف شمال الأطلسي انطلاقاً من المانيا وذلك عقاباً لرئيسة وزرائها أنغيلا ميركل بعد رفضها تلبية الدعوة إلى القمّة المذكورة بسبب تفشّي "فايروس الكورونا" في أميركا". وتطرّق المُتابع نفسه إلى محاولة سيّد البيت الأبيض استخدام جيش بلاده ضدّ شعبه الأبيض والأسود والأسمر و... لوقف الاحتجاج الذي يُساهم مع "الكورونا" والتراجع الاقتصادي والعمالي الكبير بسببها في خفض حظوظه في ولاية رئاسيّة ثانية في تشرين الثاني المقبل. قال: "أدلى المُرشّح الديموقراطي للرئاسة جو بايدن بتصريح مُهمّ توقّع فيه أن "ترافق" القوّات المُسلّحة ترامب في أثناء خروجه من البيت الأبيض بعد خسارته الولاية الثانية، وذلك في حال رفض قبول الهزيمة في الانتخابات. والمرافقة هنا تعني إخراجه بالحُسنى أو بغيرها. وما دفع بايدن إلى هذا التصريح هو وجود مُؤشِّرات وربّما معلومات عن اعتصامه في البيت الأبيض بعد الخسارة، وعن استنفاره قاعدته "الصلبة" كما يعتبرها للتحرّك شعبيّاً من أجل حمايته وإبقائه في موقعه لأسباب متنوّعة. بهذا التصريح أشار بايدن وإن على نحو غير مباشر ولكن واضح أنه يحظى بتأييد قادة القوّات المُسلّحة العاملين وقادتها المُتقاعدين. في أي حال يقول الجمهوريّون اليوم إنّهم سيفرزون أعضاء من حزبهم للتمركز في مراكز الاقتراع الرئاسي في كل البلاد، ويقول الديموقراطيّون إنّهم سيكون لهم محامون في المراكز نفسها للتأكّد من عدم إقدام الجمهوريّين المتُمركزين فيها على سرقة الأصوات. في أي حال يبدو أن رئيسنا ترامب صار أصمّاً إذ أنّه لا يسمع أصوات مواطنيه المُطالبين في شوارع بلاده بالعدالة وبالعمل وبإدخال تعديلات تنصف الفئات المظلومة في المجتمع الأميركي. والدليل الأبرز على "طرشه" إعلانه عزمه على إقامة أوّل مهرجان شعبي انتخابي حاشد في مدينة "تولسا" الكائنة في ولاية أوكلاهوما أي المدينة التي حصلت فيها في التاسع من شهر حزيران قبل نحو 99 سنة المجزرة والمذبحة الأكبر في حقّ الأميركيّين السود على يد مواطنيهم البيض (أرجأ موعده). وهناك دليل آخر على "طرشه" هو بدء بلاده التخلُّص من تماثيل "الكونفيديراليّة" التي قاتلت ضد الجيش الأميركي الفيديرالي لأسباب شتّى أبرزها الإبقاء على الرقّ والعبوديّة التي خضع لها السود منذ قرون، وإعلانه هو (أي ترامب) أنّه لن يُغيّر أسماء القواعد العسكريّة التي تحمل أسماء الجنرالات البارزين في جيش الكونفيديراليّة مثل براغ ولي وغوردون وبيكيت وبوروغارد وهود. علماً أن القادة المعنيّين في القوّات المُسلّحة الأميركيّة أعربوا عن استعدادهم للتفكير في تنفيذ التغييرات المُشار إليها. أمّا الدليل الثالث على "طرش" ترامب فهو عدم شعوره بالحاجة إلى أن يدلي بشيء يُساعد على التئام جروح الأمّة وشفائها من الانقسامات، ويعترف بالمطالب الشرعيّة للمتظاهرين وأبرزها إصلاح أنظمة الشرطة في طول البلاد وعرضها". أضاف المُتابع نفسه: "مثير للاهتمام صمت الجمهوريّين حول هذه الموضوعات في الكونغرس (مجلس النوّاب) في حين أنّ رئيسته نانسي بيلوسي أعدّت قراراً كي يصدر عنه ويتضمّن كل أنواع الإصلاحات التي تحتاج إليها أنظمة الشرطة (البوليس) في البلاد. كما أنّها طلبت إزالة تماثيل قادة "الكونفيديراليّين" أيّام الحرب الأهليّة من المجلس. في أي حال لم تكن الأسابيع الأخيرة جيّدة لترامب. فالآن عادت نسبة الإصابات بـ"فايروس كورونا" والوفيّات جرّاء ذلك إلى الارتفاع (الذروة) في الولايات التي بكّرت في العودة إلى حياة طبيعية أو شبه طبيعيّة استجابة لترامب وضغوطه ولا سيّما الجمهوريّة منها. وأعلن رئيس الاحتياط الفيديرالي احتمال حاجة أميركا إلى سنتين كي تستعيد عافيتها الاقتصاديّة. بعبارات أخرى سيبقى ترامب مسكوناً حتّى تشرين الثاني المقبل بهاجس أزمة "فايروس كورونا" وباقتصاد يتأرجح وبأرقام مُرتفعة جدّاً للعاطلين عن العمل بسببها".

في النهاية لا بُدّ من إيراد مقاطع من كلام رسمي قاله رئيس الهيئة المشتركة للأركان في القوّات المُسلّحة الأميركيّة الجنرال مارك ميلي يظهر موقفها الفعلي غير المُسيّس وتالياً غير المُنحاز لترامب في معركته الحاليّة. قال: "كان يجب أن لا أكون في ذلك المكان (أمام كنيسة ما يوحنا قرب البيت الأبيض مع ترامب) في تلك اللحظة. وجودي خلق انطباعاً أن "العسكر" متورّطون في سياسات داخليّة. كان ذلك خطأ تعلّمت منه. فنحن الذين نلبس ثوب أمّتنا نأتي منها وعلينا المحافظة بحرارة وقوّة على مبدأ "العسكر غير المُسيّس" الضارب عميقاً في جذور جمهوريّتنا". واعتبر مقتل فلويد الأسود "وحشيّاً" وبلا معنى وانعدام عدالة عرقيّاً على وجه العموم، وعبّر عن تأييد المُحتجّين السلميّين". فضلاً عن أن خرّيجي الأكاديميّة العسكريّة للولايات المتّحدة (دفعة 2020) أعربوا قبل احتفال تخرّدهم عن قلقهم من إقدام متخرّجين سابقين مثلهم يشغلون مواقع عُليا مُهمّة على تقويض صدقيّة المؤسّسة العسكريّة وعدم تُسيُّسها وخيانتهم التزامهم الثلاثي الآتي: الواجب والشرف والبلاد".

sarkis.naoum@annahar.com.lb