الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

حرب أهلية بالقطعة أو فوضى تصعيدية؟

روزانا بومنصف
روزانا بومنصف
A+ A-

تأخر رد فعل السلطة على الفلتان الامني الذي حصل منذ الخميس الماضي بحيث لم يدع المجلس الاعلى للدفاع الا يوم الاثنين الذي تلا اسبوعا مشحونا بالتوترات وتحذيرات بان عدم حماية املاك الناس تحفز اللجوء الى الحمايات الشخصية المباشرة. ولذلك استلحقت السلطة نفسها بسلسلة متواصلة من الاجتماعات والرسائل الحازمة التي كان يعتقد انها كانت لتكون ضرورتها فورية مساء الجمعة او السبت على وهج ما يجري وليس انتظار ردود الفعل والتصرف برد فعل على الانتقادات التي طاولت السلطة على هذا الصعيد. فاي موقف لم يصدر حيال تخريب بيروت من رئيس الحكومة او رئيس الجمهورية قبل اجتماع المجلس الاعلى ما ترك مجالا للتكهنات اذا كان ذلك مسموحا لانه يحصل من عناصر اتت من الخندق الغميق او لانها تحصل انتقاما من بيروت التي اعاد بناء وسطها الرئيس رفيق الحريري. باتت الامور تتعقد اكثر ليس سياسيا واقتصاديا وماليا فحسب بل ايضا امنيا في مشهد يعتقد كثر انه شكل رسالة بارسال الدراجات الى وسط بيروت وتخريبها ثم اقامة حواجز لمنعها من الاستمرار وضبضتها. دفع ذلك الى اعادة الكلام على الحمايات الذاتية والمناطقية في وقت يقحم الجيش اللبناني في وقت صعب وحساس جدا في كل تفصيل ميداني في وقت لا تنبه او تيقظ عن مدى تشظي الجيش عديدا وعدة وافرادا بالانهيار المالي ايضا شأنه شأن الشباب المنتفض في الساحات. هل هي الحرب الاهلية بالقطعة وفق ما يخشى البعض باعتبار ان حربا اهلية واسعة بالمفهوم التقليدي قد لا تكون مناسبة او في مصلحة القوى صاحبة السلاح ام هو تصاعد تدريجي للفوضى في ظل خشية كبيرة من ان تكون قدرة الاجهزة الامنية ولا سيما الجيش على التصدي لوضع انهياري متزايد صعب جدا في المرحلة المقبلة؟ وايا يكن الجواب فان الانهيار الامني بات على مشارف ان يكون بدوره مكملا للانهيار المالي والاقتصادي في اطار الرسائل المستخدمة عبر لبنان.

واذا اخذت تدابير الحكومة في الاعتبار، فان الجميع يلتقي بمن فيهم بعض الوزراء في الحكومة على ان كل الاجراءات التي تتخذ هي بمثابة حبة اسبيرين ليس الا وليست حتى حبة بانادول باعتبارها اكثر فاعلية. فجولة الاجتماعات المتواصلة التي بدأتها السلطة هي جولة جديدة هي اقرب ما تكون الى ارساء هدنة او وقت مستقطع يشبه الى حد كبير جولات المعارك العسكرية في اثناء الحرب حيث تستوعب السلطة راهنا تداعيات الخطوات التي ساهمت في تسعيرها كاثارة رد فعل على التعيينات المحاصصية الفاضحة وتعيد تظهير سلطتها في ضبط سعر الدولار الاميركي في السوق المحلية قبل ان تعود الامور الى احتدامها ماليا وميدانيا. اذ بدا ما صدر عن المجتمعين في مجلس الدفاع الاعلى من ادراك ان هناك استيرادا يفوق حاجة لبنان من المحروقات مثلا مقارنة بالنسبة نفسها من العام الماضي كأنه اكتشاف لا تعرفه السلطة او لم يتم التحقق مما قاله حاكم المصرف المركزي في 29 نيسان الماضي على هذا الصعيد. وسبق للحكومة ان قررت اتخاذ الاجراءات من اجل منع التهريب واقفال المعابر غير الشرعية فيما ان هذه احتدمت الاسبوع الماضي على نحو غير خاف على احد. وتاليا فان قدرة المصرف المركزي على التدخل ستكون محدودة في ظل استمرار المقاربات نفسها اي اجتماعات ولجان ولا خطوة واحدة في اتجاه اصلاحي مطلوب من الخارج تبريرا لدعم لبنان ماليا. والسيناريو نفسه عن ارتفاع سعر الدولار وتهريبه وكذلك ردود الفعل في الشارع ستستمر في ابرز تعبير عن كباش دفاعي هجومي من "حزب الله" في وجه تزايد الضغط الاميركي عليه من جهة في مقابل رد هذا الضغط بالضغط على الاخرين اكان المصرف المركزي او الحكومة او حتى اللبنانيين ايضا. لكن الاشكالية لا تتوقف عند هذا الجانب فيما المعركة الرئاسية محتدمة ايضا وراء الكواليس في ظل محاولة العهد تحسين اوراقه وتعزيزها تأمينا لوصول الوزير جبران باسيل بغض النظر عن واقع حظوظه التي تراجعت الى حد كبير في مقابل اتجاه سياسي واسع الى عدم السكوت الذي اعتمده افرقاء سياسيون في الفترة الماضية. فالصراع بات على المكشوف من الجميع حيث يلعب الحزب لحسابه على المكشوف في الضغط على رياض سلامه والمصرف المركزي وفي الشارع. واللعب على المكشوف واضح ايضا من جانب العهد اكثر من اي وقت مضى في رفض التشكيلات القضائية ايا يكن رد فعل الداخل او الخارج حتى لو عنى ذلك تراجع الثقة باي اصلاحات قد تخدم لبنان في عملية التفاوض مع صندوق النقد الدولي وفي اجراء تعيينات في المفاصل الاساسية من اجل وضع اليد الادارية على كل ما يتصل بالمواقع المسيحية في البلد تمهيدا للمرحلة المقبلة وتحسينا لموقع باسيل. واللعب على المكشوف ايضا من معارضي العهد ان في مواجهة سياسية مباشرة او من خلال كشف او فضح كل ما يتصل بالملفات التي في عهده تياره كملف الكهرباء مثلا الذي انهك البلد ككل في ظل جزم مسبق بان لا سبيل لاستكمال تمديد عهد عون عبر باسيل في ظل ما شهده لبنان خلال الاعوام الاربعة الماضية في شكل خاص. وهذا الكباش مرشح للتفاعل والتوسع في الاشهر المقبلة اذا اخذت الامور في شقها الداخلي فقط من دون استبعاد التأثيرات الاقليمية لما يجري في سوريا مثلا.

ولذلك بات محسوما في ضوء ما جرى مع حكومة اللون الواحد ان احدا لا يريد ان ينجز اي امر او اصلاح في الداخل فيما يفضل الجميع انتظار ما يجري اقليميا ودوليا على رغم مخاوف كثيرين من ان يدفع لبنان الثمن في اي حال اكان اتفاقا يمكن ان تذهب اليه الصراعات في المنطقة مع الولايات المتحدة او توترا اضافيا معها. 

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم