قاعدة "حميميم" والمقاربة الروسية في أفريقيا

محمد فوزي- باحث مصري

أشارت تقارير عدة في الفترات الماضية، والتي كان آخرها ما نشر عبر القيادة الأميركية الأفريقية في السادس والعشرين من أيار/مايو المنصرم، من صور التقطتها الأقمار الصناعية، إلى تحليق الطائرات الروسية ( ميغ – 29) إلى ليبيا، وهو الأمر الذي أكد ما أشارت إليه تقارير أخرى في نفس السياق من استخدام الروس لقاعدتهم الجوية "حميميم" في سوريا؛ لتسيير طائرات إلى الأراضي الليبية خصوصًا ما اتصل بالحركة الجوية الروسية إلى بنغازي وقاعدة "الوطية".

هذا فضلًا عن استخدام نفس القاعدة من أجل نقل الإمدادات والأفراد إلى أفريقيا الوسطى (التي استغلت روسيا فيها الفجوة التي خلفها انسحاب القوات الفرنسية ) وذلك عبر السودان، وهو الأمر الذي حمل إشارة إلى أن هذه القاعدة الجوية الروسية باتت تؤدي دورًا محوريًا في التفاعل الروسي مع كل من منطقة المتوسط وأفريقيا، وذلك عبر آلية تتبناها روسيا في ما يتعلق بتنمية علاقاتها مع الدول الأفريقية، تتمثل في: توظيف الجهات شبه الحكومية، مثل: شركة "فاغنر غروب العسكرية" التي أشار الرئيس التركي في إحدى المرات إلى أنها ساهمت في نقل 2000 جندي روسي إلى ليبيا؛ لدعم المشير خليفة حفتر.

وتعتبر قاعدة "حميميم" هي المركز اللوجستي المسؤول عن نقل هؤلاء إلى أفريقيا، وهي الممارسات التي أعادت طرح تساؤلات عن تنامي الدور والتعاطي الروسي مع تطورات القارة السمراء والتفاعلات التي تتم فيها، وهي تساؤلات ارتبطت بمحاولات الروس إعادة اكتشاف القارة الأفريقية، وأهم الأسباب والدوافع التي تقف وراء هذا التوجه، وكذلك الآليات المعتمد عليها في ذلك، فضلًا عن ماهية هذه المساعي وأهم التداعيات المترتبة عليها، خصوصًا ما يرتبط منها بمدى التأثير على طبيعة النفوذ الغربي وكذلك الإقليمي في أفريقيا، خصوصًا أن هذا التعاطي مع الشأن الأفريقي شابه في العديد من أبعاده واستراتيجياته المقاربة الروسية في التعاطي مع معظم قضايا منطقة الشرق الأوسط، وهو ما بدى جليًا في التعاطي الروسي مع الأزمة الليبية والانخراط فيها.

في هذا السياق، فقد عبرت وثيقة السياسة الخارجية للاتحاد الروسي التي وقعها الرئيس الروسي بوتين في 2016 عن هذا التحول الذي مثل حالة قطيعة، ونقطة تحول مع ما شهده الحضور الروسي من تراجع كبير في القارة الأفريقية عقب تفكك الاتحاد السوفياتي، حيث أقفلت سفارات وقنصليات والمراكز الثقافية الروسية في أفريقيا، وإلغاء برامج المساعدات الخارجية، حيث أشارت الوثيقة إلى أن روسيا ستتوسع في علاقاتها مع دول القارة الأفريقية في كافة المجالات، وذلك من خلال تحسين الحوار السياسي، وتكثيف التعاون الشامل: السياسيّ والتجاريّ والاقتصاديّ والعسكريّ والفنيّ، وفي مجال التعاون الأمنيّ، وكذلك التعاون في الشأن الإنسانيّ والتعليميّ، بما يخدم المصالح المشتركة، فضلًا عن الإسهام في تسوية الصراعات والأزمات الإقليميَّة.

والحاصل أنه بوضع هذه الوثيقة وما حملته في هذا الصدد جنبًا إلى جنب مع التحركات الروسية خلال السنوات الأخيرة – في ما يتعلق بالقارة الأفريقية - سوف نجد أن الرئيس بوتين ينتهج سياسة خارجية تستهدف العودة إلى القارة الأفريقية، وهو ما يدخل عمومًا في إطار هدف روسي أعم وأشمل يرتبط بالسعي إلى استعادة الدور الجيوسياسي الروسي البارز في المنطقة.

وبالنظر إلى التحركات الروسية في أفريقيا كتلك الأخبار التي يتم تداولها منذ مطلع العام الجاري للاتفاق مع صوماليلاند لبناء قاعدة فى ميناء بيربرا بالقرب من المعسكر الأميركي في جيبوتي، وكذلك المركز اللوجستي في إريتريا، سنجد أن هذه التحركات من شأنها تعزيز الحضور الروسي في القارة السمراء، مما سيكسب الروس نفوذًا جيوسياسيًا كبيرًا يسمح لها بممارسة الضغط على القوى الدولية الأخرى، خصوصًا الولايات المتحدة والقوى الأوروبية.

والملاحظ أن الروس يسعون إلى الحصول على نفوذ وحضور في الجوار الجنوبي لحلف الناتو وهو الأمر الذي من شأنه أن يخفف من وطأة العقوبات والتضييق الذي تمارسه هذه القوى على الروس، هذا فضلًا عن المتغيرات الجيوسياسية التي قد تنتج من ذلك وتخدم الطموحات والأهداف الروسية، هذا فضلًا عما ترتبط به هذه التحركات من نزعة تاريخية ترى ضرورة استعادة النفوذ والسيطرة الروسية في المناطق التي كان للسوفيات نفوذ كبير فيها، وأخيرًا ما يرتبط بالمصالح والمنافع الاقتصادية لروسيا، خصوصًا ملفات التنقيب عن النفط وصفقات الأسلحة والسيطرة على الموانئ.