الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

لبنان والخليج... من يحتاج إلى الآخر

المصدر: "النهار"
حمزة عليان
لبنان والخليج... من يحتاج إلى الآخر
لبنان والخليج... من يحتاج إلى الآخر
A+ A-

يوم كان لبنان يتميز بنظام مصرفي متقدم كان الخليج كله يسعى إليه، وتحول مع مرور الوقت إلى البنك الأكبر والوحيد للخليج بحيث صبّت أموال النفط وودائع الأثرياء فيه.

يوم كان لبنان يتفرّد بجامعات ذات نظم عالمية سبقت المنطقة بعشرات السنين وبمدارس خاصة انفتحت على اللغات الحية أقبل عليها الخليجيون والعرب وكان بالنسبة إليهم "تحفة الشرق" وحلم يراود الميسورين وأبناء الحكام والعوائل.

يوم كان لبنان مصح الخليج والعرب، بمستشفياته وبخدماته الطبية التي لا يضاهيها سوى مستشفيات لندن وهيوستن وبات مقصداً للمرضى قبل أن تفتح لهم أبواب عواصم الغرب والعالم بحثاً عن علاج أو دواء أو طبيب.

يوم كان لبنان ينعم بالحريات وبالصحافة وبالمطابع وبالمكتبات والتي أعطته قوة ونفوذاً، كان الخليج يقاتل من أجل حجز مقعد له في ساحة تعددت فيها المنابر والاتجاهات ولها تأثير مباشر وقوي على الرأي العام العربي وعلى الأنظمة والحكام ... أو من أجل الفوز بطباعة كتاب أو الحصول عليه.

اليوم انتفت الحاجة إلى لبنان ولم يعد هذا البلد يشكل تلك الأهمية التي كانت في الخمسينات والستينات وحتى السبعينات.

لم يعد واجهة الشرق إلى الغرب أو ممراً له أو وسيطاً عنده... الغرب اليوم هو الحاضر والمهيمن والراسم للخطوط الحمر والخضر.

تخيّلوا معي أن شركة بحجم "أرامكو" السعودية وبعظمتها، مكتبها الرئيسي كان في شارع الحمراء ببيروت، تدير منه عملياتها، كما يحدثني الصديق والكاتب المحب للبنان الدكتور حامد الحمود العجران، في حين أن هذا الشارع يشكو اليوم وجعه من هجرة رؤوس الأموال والمؤسسات الدولية التي كانت تتسابق على أن يكون لها فيه "مرقد عنزة"!

لبنان أصبح "يتيماً" ولم يعد ذا شأن عند أهل الخليج أو يشكل واجهة لهم، أو يعنيهم بنفس القدر والدور والحاجة التي كانت!

زمان إذا عطس أحدهم في لبنان كان الخليج والعرب يهرولون سريعاً إليه، هذا البلد كان بالنسبة لغالبية أهل الخليج المصيف والبنك والجامعة واالمستشفى أما اليوم فالأمر جدّ مختلف.

انتهى دور الصحافة اللبنانية أو كاد ولم تعد تملك ذاك التأثير، فصحافة الخليج عوّضت عن ذاك الدور. والمحطات الفضائية اليوم التي تصدح في الشارع العربي هي فضائيات خليجية.

لقد سقط النظام المصرفي اللبناني على أيدي أبنائه والقائمين عليه، ومن كان لديه استثمارات أو ودائع طمعاً بالربح والفائدة هو اليوم يضرب كفاً بكف على المصير الذي لم يكن يتوقعه! بل هناك كيانات مصرفية خليجية ثابتة وقوية تتمتع بملاءات مالية وبحجم من السيولة والودائع لا تهزها الزلازل!

إذا ذهبت لأي عاصمة خليجية فستجد أهم الجامعات في العالم الواحدة "نتطح" الأخرى من السوربون في أبوظبي إلى الأميركية في الكويت إلى كورنيل في الدوحة إلى الجامعية الكندية في دبي... بحيث غاب أبناء الخليج وبصورة ملحوظة عن الجامعات الخاصة اللبنانية.

في الخليج مستوى الرعاية والخدمات الصحية حقق نجاحات مرضية إلى حد كبير والنقص يعوّض من العلاج بالخارج، فالقطاع الخاص الصحي بمجلس التعاون استقطب كفايات عالية بالطب من العالم العربي والغربي، ولديه اكتفاء ذاتي لم يعد بحاجة لحجز سرير له في أحد مستشفيات بيروت.

انحسر جداً صراع الأيديولوجيات الحاكمة في العالم العربي، بعدما أبعدت المقاومة الفلسطينية المسلحة إلى شواطئ تونس وحشروها في محيط رام الله، وخفت حدة المواجهات بين الأنظمة اليسارية واليمينية، كان لبنان ساحة مفتوحة في حينه، لكن الأدوار تبدلت وإنتقلت إلى قوى غير عربية كدخول إيران على الخط والاستحواذ بجماعات غير مرغوب فيها بالخليج.

غاب الصراع العربي – العربي من لبنان بعدما تخلى عنه الأقربون في الخليج ليعيش منعزلا!

ما تبقى من عوامل جذب تجعل الخليجيين يقبلون على لبنان هو الطبيعة الإلهية التي منحها الله لهذا البلد ومواسم السياحة والاصطياف، نظراً لقربه الجغرافي وتعلقهم به منذ سنوات طويلة.

لعل النقطة المثيرة والمهمة والخاصة بتعايش الطوائف والأديان والتي يتمتع فيها هذا البلد هو ما يدفع الخليجيين إلى أن يبقى الصراع في حدود التناحر الداخلي، من دون أن يفلت ويخرج عن السيطرة، إلى أبعد من حدود ليصل إلى ساحل النفط ومعه العراق وسوريا لأن المصلحة الخليجية تقتضي ببقاء هذا النموذج قائماً حتى لا تصاب عواصمهم بالدوران وتعاني ما عاناه لبنان في تاريخه الحديث من صراعات وأثمان كلفته حروب وضحايا وعدم استقرار، واستقواء بالخارج!

كيف لنا أن نعيد دوراً للبنان بعد ذلك، وما هو المشروع الذي سيعطى له والمهمة التي تنقذه من هذا السقوط المدوي في المستنقع!

قد يكون البحث عن "بدلة" جديدة تناسب قياسه هو الوظيفة الغائبة وفي منطقة تلفها البراكين من مضيق هرمز إلى ساحل الناقورة ووسط تغييرات قادمة تتبدل فيها المعادلات القائمة.

[email protected]

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم