أصحاب البشرة السمراء... الواقع والمستقبل

الباحث محمد شعبان عبدالعزيز

لطالما كان أصحاب البشرة السمراء جزءاً لا يتجزأ من النهضة الأميركية على مدار عقود عديدة. ومن الصعوبة بمكان إنكار ريادة الكثير من أصحاب البشرة السمراء في المجالات الاقتصادية والاجتماعية والإعلامية والرياضية، وحتى في مجال السينما، وفي مجال السياسية وصلوا إلى سدة الرئاسة الأميركية في العام 2009، وهو ما يؤكد كونهم مكوناً أصيلاً من مكونات التركيبة الاجتماعية للمجتمع الأميركي.

وبالرغم من طيّ صفحة الماضي من العبودية، وعدم المساواة تجاه أصحاب البشرة السمراء، ولاسيما من ذوي الأصول الأفريقية، إلا أن تواترت الحوادث والانتهاكات بحقهم تواترت، ولاسيما في السنوات القليلة الماضية، وخصوصاً من قبل رجال الشرطة الأميركية، وهو الأمر الذي أعاد موضوع التمييز العنصري بحق أصحاب البشرة السمراء إلى واجهة المشهد السياسي في الولايات المتحدة الأميركية.

وشهدت الولايات المتحدة الأميركية في الأيام القليلة الماضية حادث مقتل مواطن أميركي من أصحاب البشرة السمراء يدعى جورج فلويد، وهو مواطن أميركي من أصل إفريقي على يد رجال الشرطة الأميركية في ولاية مينيسوتا، أمام أعين المارة في الشارع وسط توسلات المواطن لرجال الشرطة من أجل تركه يتنفس فقط، إلى جانب توسلات المارة من المواطنين. وهو ما انتشر في مقاطع فيديو، الأمر الذي أدى إلى اهتمام وتعاطف جارف من الكثير من مختلف أنحاء العالم.

لم يكن حادث فلويد مجرد حادث عرضيّ كغيره من الحوادث تجاه أصحاب البشرة السمراء، وإنما أدى إلى احتجاجات واسعة بدأت في ولاية مينيسوتا، وخاصة في مينيابوليس، لتمتد بعدها إلى عدد من الولايات الأميركية، لتشمل أعمال شغب وعنف وإحراق مراكز للشرطة، وأهم تلك الولايات لوس أنجليس وفيلادلفيا وأتلاتنا ونيويورك، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك، إلى واشنطن بالقرب من البيت الأبيض.

وتوالت ردود الأفعال الرسمية تجاه الأحداث. فعلى المستوى الرئاسي أعرب ترامب عن أسفه في البداية بتغريدة على "تويتر". وبعدها قام باتصال هاتفي لعزاء ذوي المواطن الذي قتل على يد رجال الشرطة. إلا أن ذلك لم يكن كافياً لتوقّف تلك الاحتجاجات الآخذة في التزايد. وهو ما أدى إلى اتهام ترامب اليسار الأميركي بتغذية الاحتجاجات ودعمها من جانب بعض القوى السياسية، وأهمها اليسار الأميركي. وذهب إلى كنيسة تسمى كنيسة الرؤساء على مقربة من البيت الأبيض، تلك الكنيسة التي طالتها بعض أعمال الشغب والعنف من قبل المتظاهرين. ورفع ترامب الكتاب المقدس وقال "لدينا بلد عظيم".

ووصف ما يحدث من أعمال عنف وتخريب بـ"وصمة عار". كما تمحور خطاب ترامب حول ضرورة احتواء الموقف بالعنف في وجه المخربين من المتظاهرين إذا لزم الأمر، من خلال استخدام الحرس الوطني وقوات الجيش الأميركي. وهو ما أكدته وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) بأنها نقلت 1600 من قوات الجيش إلى العاصمة واشنطن.

صفوة القول: إن حادثة مقتل فلويد كانت بمثابة الحجر الذي حرك المياه الراكدة في الولايات المتحدة الأميركية، في ظل ظروف اقتصادية صعبة تعيشها الولايات المتحدة نتيجة تفشي فيروس كورونا، وهو ما أدى إلى وفاة أكثر من 100 ألف أميركي، وهو ما كشف عن محدودية قطاع الصحة في الولايات المتحدة في التعامل مع الأزمات، ناهيك عن تردي الأوضاع الاقتصادية ولاسيما في قطاع النفط الأميركي. كل ذلك يأتي بالتزامن مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الأول المقبل، وهو ما يزيد الأمور تعقيداً، خصوصاً وأن أصوات المتظاهرين في العديد من الولايات مازالت تصدح باسم فلويد يوماً بعد يوم، وهو ما يضع الإدارة السياسية الأميركية، وعلى رأسها ترامب، على المحك. وقد أتجاسر وأقول إن تلك الاحتجاجات الواسعة لا تهدد النظام السياسي الأميركي، وإنما تهدد وحدة وتماسك المجتمع الأميركي برمّته أكثر من أي وقت مضى. وهو ما يتطلب تغيير نهج الإدارة الأميركية والإصغاء إلى مطالب المتظاهرين وعمل تشريعات صارمة وقوية تجاه العنصرية، وخصوصاً من قبل رجال الشرطة الأميركية. إن حادث فلويد من المتوقع أن يحدث تغيراً في الوعي الجمعي للكثير من سكان الولايات المتحدة والعالم، وخصوصاً في تعاملهم مع أصحاب البشرة السمراء، وليسوا السود، لأن كلمة السود تكرس مزيداً من العنصرية والتمييز على المستوى الإنساني.