الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

جدل في مصر... أنصار "بول البعير والحبّة السوداء" يؤكّدون فاعليتها في علاج كورونا

المصدر: "النهار"
القاهرة - ياسر خليل
جدل في مصر... أنصار "بول البعير والحبّة السوداء" يؤكّدون فاعليتها في علاج كورونا
جدل في مصر... أنصار "بول البعير والحبّة السوداء" يؤكّدون فاعليتها في علاج كورونا
A+ A-

وتشير تلك التقارير إلى بلوغ سعر لتر بول البعير 50 دولاراً أميركياً، في بلد مثل العراق، وهو ما يتجاوز سعر برميل النفط بنحو 10 دولارات. وفي مصر يدافع أنصار التيار السلفي عن استخدام بول البعير كعلاج للعديد من الأمراض، ضمن ما يسمى بـ"الطبّ النبوي"، إلى جانب الحبة السوداء والعسل، نظراً لورودها في أحاديث نبوية مدونة في كتب "الصحاح" (البخاري ومسلم).

ونظراً للسجالات التي أثارها هذا التوجه، بات أنصار هذه الوصفات، أخيراً، يرفقون روابط من مواقع باللغة الإنكليزية، لتعزيز مصداقيتهم، لكن بتتبع بعض تلك المواقع مثل ScienceDirect يتبين أنها مفتوحة لاستقبال الأبحاث عبر الإنترنت، طالما كتبت بطريقة معينة، وهي لا تخضع لجهات طبية أو جامعات مرموقة يمكن الوثوق بإشرافها أو مراجعتها للأبحاث المنشورة على أسس ومنهجية علمية.

الحبّة السوداء

واحد من أكثر المنشورات شيوعاً، خلال الأيام الماضية، يتحدث عن الحبّة السوداء، وهي من أبرز وصفات "الطبّ النبوي" حيث ورد حديث يقول إن "فيها شفاء من كل داء إلا السام (أي الموت)". وتستقي المنشورات معلوماتها من تدوينة كتبها الدكتور عمرو جمال الرشيدي، مدير مستشفى الحميات في سوهاج، يقول فيها إنه نجح في علاج 3 مرضى بالحبة السوداء والعسل.

ولم يوضح الرشيدي أو أي من تلك المنشورات إجمالي عدد الحالات التي تم علاجها بالمستشفى، أو كم عدد الوفيات في المستشفى الواقع في صعيد مصر.

وبينما ركّز مدير حميات سوهاج على الحبة السوداء والعسل كسبب لشفاء مرضاه، فإن كافة المستشفيات بمصر تستخدم البروتوكول العلاجي الذي أقرته وزارة الصحة المصرية، والذي يستخدم عقاقير طبية معتمدة، بما في ذلك مستشفى سوهاج، وهو ما أكده مديره بنفسه على صفحته بموقع "فايسبوك" في تدوينة معدلة نشرت لاحقاً، قال فيها إن الحبة السوداء والعسل يُستخدمان كعامل مساعد في العلاج. لكن التدوينة الأصلية ما زالت تُتداول على نطاق واسع دون تعديل.

لا أساس علميّ

يقول الدكتور عبد الهادي مصباح استشاري المناعة والتحاليل الطبية وزميل الأكاديمية الأميركية للمناعة لـ"النهار": "إن الحديث عن أن هذه الوصفات تعدّ علاجاً لفيروس كورونا، هو محض كلام فارغ، هذا فيروس، ويجب أن تتم مراقبة المضاعفات التي يحدثها في الشرايين والأوردة الرؤية، وهي تؤدي إلى نقص الأوكسجين، وتالياً الفشل التنفسي".

ويشير أستاذ المناعة البارز إلى أن "الأمر يختلف حين نتحدث عن تعزيز المناعة، هذه أمر آخر، لا يوصف بأنه علاج لكورونا، وهناك الكثير من الأصناف التي تعزز المناعة، ليست الحبة السوداء والعسل فحسب، ولكن هناك قائمة طويلة من المواد الغذائية الطبيعية التي يمكن الاعتماد عليها، من بينها على سبيل المثال المواد التي يوجد فيها فيتامين (أ) و(سي) و(دي) والزنك".

"هناك بعض الدراسات أجريت على الحبة السوداء والعسل تقول بأن لهما تأثيراً على المناعة"، يقول مصباح، "وهذا إلى جانب مواد أخرى كما أشرنا، وليسا منفردَين، كما أن هناك شروطاً لاستخدامهما، فالإفراط فيهما مضرّ للصحة، مثلهما مثل كل شيء آخر. والحبة السوداء لا يمكن تخزين زيتها، لأن العنصر المفيد فيه هو الزيوت الطيارة، وحين يتم التخزين يفقد فائدته، وبالنسبة لمرضى السكري يجب أن يحذروا عند استخدام العسل، ويكون تعامل المرضى مع هذه الأصناف بحرص، وحسب حالة المريض".

ونفى استشاري المناعة أن يكون بول البعير علاجاً للفيروس كما بدأ يشاع في بعض البلدان مثل إيران، والعراق، واليمن، ويقول: "تناول بول البعير لا يبنى على أساس علمي، ولكنه عادات لقبائل صحراوية، تم توارثها، ولا توجد دراسات علمية موثوقة تنصح باستخدام أبوال الإبل والبعير في التداوي".

جذور التوهّم

يقول محمد أبو العيون، الباحث المتخصص في التراث الإسلامي لـ"النهار": "إن التراث الإسلامي هو السبب الرئيس في إقناع العقل الجمعي للمسلمين بوجود ما يسمى بالطب النبوي، ولعل أول من عمل على ترسيخ هذه الخزعبلات في وجدان المجتمع هو ابن قيم الجوزيه، والذي عاش في القرن الثامن الهجري، وذلك حين ألف كتابًا عنونه "الطبّ النبوي"، زعم فيه أن نبي الإسلام (ص) كان يعالج نفسه بما أسماه "المفردات" ولم يكن يلجأ إلى الأدوية التي يصنعها الأطباء".

ويضيف أبو العيون: "هناك رواية منسوبة إلى النبي (ص)، عمل المشايخ التراثيون على ترويجها بين العوام لترسيخ خزعبلات الطب النبوي، وهي حديث أمّ أيمن الذي جاء فيه أن جارية يقال لها بركة شربت بول النبي (ص)، وقد استغل التراثيون هذه الرواية غير الصحيحة للاستدلال بصحة التداوي ببول البعير".

وأشار الباحث إلى رواية أخرى منسوبة للنبي، يقول فيها: "في الحبة السوداء شفاء من كل داء إلا السام، أي أن حبة البركة السوداء تداوي كل الأمراض إلا الموت، والتجربة العملية أثبتت عدم صحة هذه الروايات، فبول البعير مضرّ بصحة الإنسان، ويسبب أمراضاً مستعصية منها الفشل الكلوي، وحبة البركة لم يثبت أنها تشفي من أي مرض".

"إذا بحثنا في صحيح السنّة النبوية نجد ما يكذّب هذه الروايات التي روّجها سماسرة الطب النبوي"، يقول أبو العيون، "فقد روى عن سعد بن أبي وقاص رضي اللَّه عنه، أنه مرض بمكة، فعاده رسول اللَّه (ص)، فقال: أدعوا له الحارث بن كلدة فإنه رجل يتطبب".

ويرى الباحث أن "الاحتلال العثماني لمصر كان بداية مرحلة الجمود الفكري وتوقف حركة التأليف وتقديس تراث السابقين واعتبار أقوالهم تشريعًا مساويًا للقرآن وصحيح السنّة، منذ ذلك الحين، والعقل الجمعي الذي قضى عليه الجمود والتقليد، أصبح مؤهلًا لقبول أي خرافات تروج حول التداوي ببول البعير وحبة البركة وغيرها، ثم جاءت فترة سبعينيات القرن الماضي والتي شهدت المدّ الوهابي على مصر، فرسّخت داخل الوجدان الجمعي كل ما يتعلق بخزعبلات الطب النبوي".

لعل فترة سبعينيات القرن الماضي، حسبما يقول أبو العيون، "كانت أحد أهم أسباب انتشار مصطلح "أسلمة العلوم"، ولأن فيروس كورونا المستجد، وباء عالمي لم يُكتشف له علاج حتى الآن، فقد حاول سماسرة الطب النبوي استغلال القناعات المتجذرة داخل العقل الجمعي وترويج بضاعتهم من جديد، ورأينا أطباء يزعمون أن في حبة البركة السوداء وعسل النحل شفاء من كورونا، ولكن صوت هؤلاء الآن أصبح خافتًا وغير مؤثر بسبب ثورة التكنولوجيا التي أتاحت للعوام اكتشاف الحقائق، والتأكد من عدم وجود ما يُسمى بالطب النبوي".

بول البقر

بينما يصرّ بعض رجال الدين والدعاة الإسلاميون، خاصة السلفيين منهم، على أن كل ما ورد على لسان النبي هو وحي من السماء، يرى باحثون أن الوحي يقتصر على القرآن والتعاليم الدينية، أما في ما يتعلق بأمور الدنيا، كالطب والعلوم، فإن النبي اجتهد فيها متأثراً ببيئته، التي كان يشكل الجمل فيها عنصراً مهماً للحياة.

كما أن الكثير من الوصفات التي وردت في كتب "الطب النبوي"، هي وصفات استخدمت في البادية أو انتقلت إلى مكة التي كانت تشكل طريقاً مهماً للتجارة، حتى قبل ميلاد النبي محمد.

وما قد يعزز وجهة نظر هذا الفريق هو أن أغلب المعتقدات الدينية تتأثر بالبيئة التي نشأت فيها، ففي الهند على سبيل المثال، يعتقد بعض أتباع الهندوسية أن بول الأبقار يعدّ علاجاً سحرياً للعديد من الأمراض، وقد نُشرت تقارير أخيراً، تشير إلى شرب بعض الهندوس أبوال الأبقار للوقاية أو للتداوي من كورونا. ويعتمد الهندوس في أفعالهم هذه على نصوص دينية يعتقدون بأنها مقدسة.

وبالنسبة لبعض المتدينين في أغلب الأديان، فإن هناك خلطاً بين الاعتقاد -الذي لا يعدو كونه مجرد اعتقاد بصحة أمر ما، وليس الحقيقة المؤكدة- والحقائق العلمية التي أثبتت بالتجارب والأبحاث العلمية، ويقدّم هؤلاء الاعتقاد على العقل والعلم إذا تعارضا مع ما يعتقدونه، لكنهم في الوقت ذاته ينكرون على أصحاب المعتقدات الأخرى فعل الأمر نفسه.

فبينما ناشدت منظمة الصحة العالمية في العام 2015: "الناس تجنب شرب لبن الإبل النيء أو بول الإبل، أو تناول اللحم غير المطبوخ بالشكل السليم"، تجنباً للإصابة بفيروس كورونا المسبب لمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية، تجد بعض المسلمين يدفعون عشرات الدولارات لشراء بول البعير لشربه والتداوي به، ويروج أطباء للعلاج بالحبة السوداء والعسل اعتماداً على اعتقادهم، وليس بناء على أساس علمي موثوق.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم