المفتي قبلان: النظام الطائفي سقط

 أكد المفتي الجعفري الممتاز الشيخ أحمد قبلان، في رسالة الجمعة، أن "العدل ميزان الله، وضرورته الماسة في حياة الفرد والجماعة والاجتماع العام. من هنا جعله الله شعار الأنبياء ورسالاتهم، بل هو مضبط العقلاء، وأسس ذلك انطلاقا من مبدأ قوله تعالى (كونوا قوامين لله شهداء بالقسط)، ليمنع الفساد بأشكاله كافة، فساد النفس، فساد التربية، فساد النظم السياسية والاجتماعية والاقتصادية، فضلا عن فساد الشعار والبرامج والأدوات المختلفة، لأن القضية عند الله سبحانه وتعالى تبدأ بضرورة شراكة الإنسان للإنسان، بالوجود والحياة والموارد العامة والميادين العامة والمؤسسات العامة والمشروع العام، بما في ذلك شكل الدولة وهيئتها ووظيفتها وأهدافها وآلياتها، ومؤسسة مهمتها خدمة الإنسان أو المواطن".

وأشار إلى أن "الإنسان أو المواطن أساس نظرية الدولة أو القانون، وهي بذلك تفترق عن نظرية وحشية الغابة، ففي الغابة يأكل القوي الضعيف، وهذا ممنوع في المجتمع الإنساني، ممنوع بكل أشكاله، وهذا المنع يبدأ من أن نمنع سطوة القوة، وأن نمنع تفلتها، عبر تنظيمها ضمن حقوق وحدود قيمة الإنسان كعنوان مقدس وثابت، وبخلفية حماية حقوق الطبقة الضعيفة، ومشروع الدولة كضامن لهوية الإنسان وقيمته وباقي مصالحه الماسة بخصوص إنسانه، بعيدا من لعبة موازين القوى، ومعه يبدو واضحا أن لا حرية بين القوي والضعيف، كما لا حرية بين الثري والجائع، كما لا حرية بين محتكر الأسواق وفقراء الناس، وعليه وظيفة الدولة تكمن هنا، بمنع المال والقوة والنفوذ من الإطاحة بهوية الدولة ووظيفتها كضامن وكافل لدور الإنسان أو المواطن، وهذا يعتبر قيمة مصدرية لوجود وشرعية الدولة ووظيفتها، هنا يأتي دور الدولة العادل، فوظيفتها ليست حيادية، لأن المفروض أنها دولة عدل، ودولة سلطة حق، ومشروع تأمين وحماية، لا يجوز أن يسيطر عليه المال أو أي قوة أخرى، وإلا تحولت الدولة والبلد إلى غابة ينهش فيها القوي الضعيف".

وتابع المفتي قبلان: "للأسف هذه هي مأساة لبنان اليوم لأن هناك من يحتكر، من يتقوى، من يتنفذ، من يسيطر، بشكل مخيف على مراكز القوة وسط فوضى مخيفة، دولار متفلت، تسعير جنوني للسلع، فقر شامل، سقوط مروع لقدرة الدولة بعد انكشافها عن أزمة ديون لا سابق لها، وعن مالية عامة تنزف بشكل هستيري وأسواق محتكرة وخطوط استيراد يتحكم بها قلة يسعر بطريقة عشوائية استبدادية، وسط هشاشة مخيفة لدور الدولة. لذلك نحن نصر بكل قوة على استعادة الدولة لدورها، خصوصا دورها المالي والنقدي والتجاري، ونؤكد أن الدولة مسؤولة عن حماية الناس، حماية أسواقهم بضائعهم سلعهم أسعارهم، فضلا عن مسؤوليتها في حماية الأمن المجتمعي للناس".

وأضاف: "أعود وأكرر، المشكلة تكمن في هذا النظام الطائفي الذي أثبت فشله وعدم صلاحيته لإعادة بناء دولة مؤسسات، دولة حديثة، دولة كفاءات، دولة مواطن، بقدر ما يستحق، وليس بمعيار الطائفة أو المذهب الذي ينتمي إليه. هذا النظام سقط، هذا النظام لم يعد صالحا، لأن ما تربى عليه أجدادنا وآباؤنا لم يعد يواكب أبدا ما يحلم به أبناؤنا الذين خلقوا لزمان غير زمان 1943، زمان التسويات والصيغة المزيفة والقطب المخفية. نعم أبناؤنا خلقوا لزمان العلم والإبداع والمعرفة، خلقوا لدولة المواطنة، لدولة الكفاءة، لدولة الإنسان، لا لدولة الطوائف والأنظمة البائدة والمتخلفة، التي كلفت لبنان واللبنانيين الكثير والكثير ولن تتوقف عند حدود، سيما أن ما نعيشه ويشهده لبنان يبين الحاجة الملحة إلى جلوس الجميع حول طاولة يتصارحون ويتحاورون، ويضعون الأسس التي تصلح للبنان الغد، وتلبي طموحات أبنائه، ولا شك أن لبنان غني بالمرجعيات الدستورية؛ أما البقاء في دائرة المعالجات الترقيعية والتسويات المحاصصاتية وفق المعايير المصلحية والطائفية يعني أننا سنبقى في قلب العاصفة، والحلول ستبقى بعيدة المنال، مهما كان شكل الحكومات".

وطالب قبلان الجميع "بصحوة وطنية"، وناشدهم "أن يتطلعوا إلى المستقبل على قاعدة أننا كلنا لبنانيون، ومسؤوليتنا كبيرة في الحفاظ على بلدنا، وواجبنا الوطني يفرض علينا الخروج من الأحلام والأوهام، فالواقع الذي وصلنا إليه يحتم علينا البحث في المخارج السليمة والحلول الوطنية التي تجذر الولاء والانتماء وترفض التبعيات والارتهانات"، محذرا من أن "البلد في الهاوية وبات مجردا من كل عناصر القوة والحماية المجتمعية والاقتصادية، ومكشوفا على أخطر الانهيارات، والحلول لا يمكن أن تكون لا بمارونية سياسية ولا بسنية سياسية ولا بشيعية سياسية ولا بفدرالية أو كونفدرالية، بل بوطنية سياسية ترقى فوق كل الطوائف والمذاهب، وتكون على مستوى وطن ودولة ومؤسسات وإدارات كفوءة ونظيفة، لا فساد فيها ولا ارتهان لأي جهة أو تيار سياسي، ديدنها خدمة الناس، لا خدمة الأشخاص".