الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

طرابلس: العيد في صالونات تجميل النساء..."كورونا برا ونحنا جوا"

المصدر: "النهار"
جودي الأسمر
طرابلس: العيد في صالونات تجميل النساء..."كورونا برا ونحنا جوا"
طرابلس: العيد في صالونات تجميل النساء..."كورونا برا ونحنا جوا"
A+ A-

سواء كان صالونًا في حيّ شعبي يوفّر خدماته بأسعار مقبولة، أو صالوناً مرفّهاً يتطلب مبالغ مرتفعة، تغصّ الصالونات على اختلاف مستوياتها بزبونات العيد. لا انخفاض في الإقبال مقارنة بالمواسم السابقة، برغم الجحيم الاقتصادية و"كورونا". بل تكشف سّيّدات أنّ عيد الفطر المتزامن مع تخفيف التعبئة، حلّ عليهنّ كمناسبة لرفع أضرار متراكمة على الجمال، بسبب الإقفال الطّويل الذي التزمته الصالونات في بداية الحجر. فارق وحيد، لا يعني أنّه بسيط، يميّز صالوناً متواضعاً عن آخر فاخر، ينعكس في الاستجابة الثقافية والوقائية لكلّ منهما ضد "كورونا".

إنكار كورونا

ليلة العيد، يغصّ صالون ديانا في محلّة أبي سمراء الشعبية نسبيًا، بزبونات يقصدنها لتصفيف الشعر. باب الصالون يكتسي بصور سيدات بتسريحات أنيقة. لا تغلقه ديانا بالكامل، تاركة المجال لانسياب نسيمات هواء من الشارع الى الداخل. فالكهرباء مقطوعة. وتغذية مولد الكهرباء وحدها غير قادرة على تشغيل ثلاثة سيشوارات ومكيّف، فجرى الاستعاضة عن هذا الأخير بمراوح صغيرة علقت على الحائط وبالهواء الطبيعي. تكيّف ضروري وعنيد رغم الإمكانات الضيقة لأجل عيدين، الأول نسائي والثاني عام: الجمال والفطر.

تقول ديانا لـ"النهار": "لقد فتحت هذا الصالون منذ عشرين سنة. لذلك حين أقفلته شعرت أنّني سجينة. كنت أضطر في بداية الحجر لمزاولة العمل لحاجات استثنائية تتعلق بعلاجات الكيراتين، فكنت أعقّم المحل كاملاً والمعدات، وكنت والزبونة نرتدي الكمامات، ونتجنب التسليم. اليوم كلّ هذه الإجراءات لم تعد تعني زبوناتي". وتضيف مشيرة الى علبة جل معقّم كبيرة لم ينقص محتواها، تضعها على مكتبها "هذه اليوم ديكور".

بالنّسبة إلى حنان، دقّت ساعة الجمال والقهوة. ترتشف ربة المنزل الستينية قهوة من فنجان كرتون، اشترته من بائع متجول طرق منذ قليل على باب الصالون، فتناولت منه أربع سيدات القهوة لقاء 500 ليرة لكل فنجان. تقول حنان، بعدما نفثت طويلاً دخان سيجارتها، وهي تنتظر اكتمال مفعول الصبغة الحمراء على شعرها: "كنا نقول إن طرابلس مدينة الأشباح، الآن صارت بيروت هي مدينة الأشباح وطرابلس تغلي بالناس"، مقيمة مقارنة بين المدينتين، أتاحتها إقامتها أخيراً في منزل ابنتها التي تقطن في "داون تاون" بيروت.

كلام على الرجال

خارج زمن "كورونا" وعبر كل الأزمنة، تبقى النساء "أحسن حكاءات للقصص". يؤمن لهن الصالون مساحة للتعبير عن آراء قد تكون مقموعة في أمكنة أخرى، فترفع السيدات الحواجز الوهمية والحقيقية التي تحول دون أن يتكلمن بأريحيّة عن الرجال وأخيراً كورونا، وعن رجالهن في "كورونا".

تحت هواء السيشوار الملتهب، تتحدث زينب عن "أيام صعبة ولكن جميلة"، لأن زوجها حاول إسعادها في تفاصيل صغيرة، فكان يحضر لها بطاطا "التشيبس" بطعم الكاتشاب.

تضحك عبيدة، وهي العاملة الّتي تمسك بالسيشوار، معلّقة "ولكن الرجال يستهترون بنا إن رضينا بالقليل. كيس تشيبس يا مسكينة"؟ بعد انتهائها من عملها، تجلس عبيدة على كنبة صغيرة لتدخّن سيجارة. لم تخلع "قمطة" الحجاب مخافة أن يدخل رجل من الباب المفتوح. ولا تزال ملاقط الشعر معلقة على بلوزتها السوداء، فهذا وقت سريع تقتنصه لتجديد نشاطها، بعدما قاربت الساعة منتصف الليل.

إلى يمينها، تجلس سيدات وصبايا على صوفا طويلة بانتظار الدور. زبونة تلهو على شاشة الهاتف، وأخرى تغرق مع رفيقتها في حديث يصعب سماعه. في هذا المكان المتواضع، تختفي المسافات الآمنة وهواجس "كورونا"، ووحدها الحميمية تطغى على أجواء حارّة لبّدتها الأدخنة المتصاعدة.

أرغيلة داخل الصالون

لكن، يبدو هذا الدخان لطيفًا مقارنة بالغيمة المتصاعدة من نرجيلة المعسل، نصبتها لنفسها صفاء، العاملة في صالون آخر. تلتقط الصبية العشرينية أنفاسها بنبريش المعسل، في مداورة خاطفة مع زميلاتها، بين الزبونات والنرجيلة. صاحبة الصالون المشهور بالعناية بالبشرة والوجه، اعتمدت توزيع قصاصات ورق تحمل أرقاماً، لتنظم الأدوار، فتتجنب المشاكل وترضي كل الزبونات. من كلّ الأعمار، ترتدي أكثرهن العباءات، ويجلسن بصبر على الصوفا. فيما فضلت أخريات الانسحاب ليقمن جولة في المحال المفتوحة حتى ساعات الفجر، في "شارع التوحيد" و"ساحة الشراع"، ريثما يحين الدور.

صاحبة الصالون التي وضعت الكمامة، تقول وهي ترتّب حواجب زبونة مستلقية على سرير التجميل "أكثر زبوناتي يأتين اليوم لترتيب الحواجب. فيما استغنت كثيرات عن إزالة الشعر الزائد في الصالون، تحسبًا لأولويات أخرى". وفي سؤال وجّهناه للزبونات عن خوفهن من كورونا، تهتف سيّدة ترتدي عباءة زيتية، وهي تضحك "لا يوجد كورونا في الصالون. كورونا برّا ونحنا جوا".

وقاية استثنائية

مقابل هذا المثال الذي أطاح بالوقاية، سواء لجهة كورونا أو أمراض الصدر، يظهر على المقلب الآخر صالون يعتمد إجراءات وقائية متشددة.

افتتحت لِيا دندشي مركزها في شارع أمين المقدم، وهو أحد التفرعات الخلفية لشارع الميناء حيث تقطن عائلات من الطبقات الميسورة. أعلى الباب، نصب المركز جهاز تعقيم بتقنية البخار. تنتظر صبية كلّ داخل، فتستمهله عشر ثوانٍ تحت الجهاز. الآن أصبح الدخول مسموحًا، لكن الاجراءات لم تنتهِ. تقف صبية أخرى، حاملة بيدها جهازاً تضعه على جبين الزبونة للتحقق من حرارتها، ثم ترحب بها للدخول. وغالبًا ما تكون الزبونة قد أتت مسبقًا مع كمّامتها، لأنّها دخلت الصالون بناء على موعد سابق، وهو نظام إجباري يتّبعنه في الأيام العادية، وتشدّدت صاحبة المركز في تطبيقه بعد "كورونا".

حول تأثير الإجراءات على الزبائن، تقول ليا: "البعض يظنّ أنّ تطبيق الوقاية سينفر الزبونات، لكن العكس هو الصحيح. بتُ أستقبل زبونات جدداً لأن كثيرات يحرصن على سلامتهنّ، ويلتزمن الوقاية من كورونا".

أمّا الزيادة في الأسعار، فتشرح خلفياتها كالآتي "جميع مواد التجميل ارتفع سعرها بسبب انهيار الليرة. وأنا أستقدمها من محلات sephora في أوروبا. أضيف أنّني استقدمت عاملتين من التابعية الفيليبينية تختصان بالأظافر".

خلفها، نجد العاملتين منهمكتين في العناية بأظافر الأقدام (pédicure)، تتبادلان الأحاديث مع زبونتين امتشقتا الكرسي العالي. ترتديان الزي الموحد الرمادي، على ظهره لوغو المركز. تضع العاملتان الكمامة، كما كلّ من في الداخل. تخفت هنا أصوات الأحاديث وترتفع فوقها موسيقى البوب الأميركية. النمط الأميركي يظهر في أرضية "الباركيه"، والديكور المودرن البسيط مع طغيان تدرجات الرمادي، الذي يعاكسه الأصفر المشاع من الثُريات ذات الأشكال الهندسية بالغة الحداثة. لا مقاعد شاغرة في هذا الصالون ولكن كل الإجراءات الوقائية هنا مدروسة، كأنها تستشرف صورة الصالونات التي قد نعتادها في زمن ما بعد "كورونا".

تنزل زبونة من الطبقة الثانية، بعدما أنهت إضافة خصلات لشعرها المتموج. تحاسب صاحبة المركز الّتي تودّعها بحفاوة، مع معمول بالفستق والجوز والتمر قدمته من "قصر الحلو" في صينية قشّ، مضيفة "كل عام وإنتِ بخير".

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم