كيف يؤثّر "كورونا" على فرص الصدام الأميركيّ-الإيرانيّ؟


تأرجُح

تصاعدَ هذا التوتّر منذ انسحاب واشنطن من الاتّفاق النوويّ وفرض عقوبات على إيران فوصل إلى ذروته مع اغتيال القائد السابق ل "قوة القدس" قاسم سليماني، والردّ الإيرانيّ بقصف قاعدة عين الأسد الأميركيّة في العراق. بعدها، خفّ الاحتقان تدريجياً من دون أن ينتفي تماماً، حيث استمرّ سقوط بعض القذائف على قواعد عسكريّة أميركيّة كما استمرّت مضايقات الحرس الثوريّ للسفن الحربيّة الأميركيّة. وفرضت الولايات المتّحدة المزيد من العقوبات على الإيرانيّين في آذار.

تزامن مسار التوتّر التنازليّ مع تفشّي فيروس كورونا في إيران بدءاً من أواسط شباط، ثمّ في الولايات المتّحدة بدءاً من أواسط آذار. ثمّة صعوبة في قياس ما إذا كان هنالك من علاقة سببيّة بين انتشار "كوفيد-19" وخفض التصعيد. بداية، ليس هذا الاستنتاج مضموناً إذ إنّ حادثاً آخر غير مقصود في مياه الخليج العربيّ قادر على إطلاق اصطدام لا يريده الطرفان.

ففي أحد عشر شهراً، اقتربت طهران وواشنطن من حافة الحرب ثلاث مرّات وفقاً لمدير مشروع إيران في "مجموعة الأزمات الدوليّة" علي واعظ. ورأى منذ أسبوعين، عقب بروز أخبار الاحتكاك في مياه الخليج العربي وتهديد ترامب ب "تدمير" زوارق الحرس التي تضايق سفنه، أنّه أمكن ل "كوفيد-19" أن يكون نافذة لخفض التوتّر. لكنّه أصبح عوضاً عن ذلك فرصة لاستعراض المواقف المتشدّدة. وذكر أنّ غياب آليّة تواصل واضحة بين الطرفين يمكن أن تدفعهما إلى الصدام بشكل أسرع.


الجيش في خدمة الصحّة

تحليل واعظ لا يخفي وجود مؤشّرات يمكن أن تظهر ترابطاً بين "كورونا" وانخفاض احتمالات التوتّر. ولا يرتبط الموضوع فقط بالانهماك السياسيّ والإداريّ في محاربة الوباء داخل البلدين. من الناحية العمليّة، تشغّل الدولتان أجهزتهما العسكريّة لمساعدة الوكالات المدنيّة على تحقيق هذه الغاية.

في إيران، أطلق المرشد الأعلى علي خامنئي منذ شهرين "مقرّ الإمام الرضا الصحّي والعلاجيّ" المخصّص لمواجهة الوباء. وأوكل رئيس هيئة الأركان اللواء محمّد باقري بالإشراف عليه. تعهّد باقري تحويل قسم من جهود مصانع وزارة الدفاع لتصنيع المعدّات الطبّيّة اللازمة مشيراً إلى أنّه سيقوم بتعبئة القطاع الطبّيّ والباسيج وتخصيص مستشفيات وعيادات عسكريّة لمعالجة المرضى. وانخرط الجيش النظاميّ أيضاً في تطهير الأماكن العامّة وتجهيز المستشفيات الميدانيّة. كذلك، فعّل الحرس الثوريّ مقرّاً دائماً للدفاع البيولوجيّ يسمّى "الشفاء".

يخفّض تشغيل المستشفيات العسكريّة في حالات الطوارئ القدرة الاستيعابيّة لاستقبال جرحى الحرب. وثمّة عناصر أخرى تدخل في تعديل جاهزيّة القدرات العسكريّة للجيشين يظهرها عبد الرسول ديوسالار من "معهد الجامعة الأوروبية".

بين الناحيتين النظرية والعملية

من الناحية النظريّة، يعرقل الوباء صيانة الأسلحة وسلسلة الإمدادات الدفاعيّة كما يكبح الإنفاق العسكريّ. وتعمل القوّات الجوية الأميركيّة بنصف إمكاناتها فقط، مع انخفاض في ساعات التدريب مقابل ارتفاع في ساعات العمل الأمر الذي يرفع مخاطر حدوث أخطاء في العمل ضمن أنظمة أسلحة معقّدة.

وخفّض كوفيد-19 اللوجستيّات المرنة والموارد الطبّيّة وإمكانيّة عقد التحالفات العسكريّة مع الدول الصديقة لواشنطن. لكن ذلك لا يؤثّر بالنسبة إلى الكاتب على الصورة العامّة لقدرة الجيش الأميركيّ القتاليّة ولا على جاهزيّة إيران التي بقيت قواتها البحريّة وبرامجها الصاروخيّة غير مكبّلة بمواجهة الجائحة.

من الناحية العمليّة، يرى ديوسالار أنّ انعكاسات "كوفيد-19" تتجلّى تحديداً في تقييم المخاطر المتقابلة: تتخوّف إيران من استغلال واشنطن الفيروس كي تقوّض نظامها، كما يتخوّف الأميركيّون من استغلال طهران لانشغالهم بمكافحته من أجل مهاجمة مصالحهم.


الحفاظ على الستاتيكو

صحيح أنّ هذه النظرة تفترض الحسم لدى أيّ طرف بوجود نيّة لدى الآخر باستخدام "كورونا" كسلاح لتحقيق تفوّق ميدانيّ. ومع ذلك، ليس من مصلحة أيّ طرف الوقوع في أخطاء تقديريّة خلال تقييم مخاطر كهذه عبر الاستعجال بالردّ العسكريّ عليها. فأمام طهران وواشنطن التحدّي الأبرز والطارئ في إنهاء الجائحة أوّلاً قبل تحويل أنظارهما إلى التحدّيات الخارجيّة.

وحتى مع افتراض غياب أزمة كورونا، ليس مرجّحاً لأيّ من الطرفين أن يتمكّن من كسر التوازن القائم بينهما. فالنظام الإيرانيّ لا يزال موجوداً على الرغم من حملة الضغط الأقصى والاضطرابات الداخليّة وانكماش حجم اقتصاده بحوالي 20% خلال السنتين الماضيتين. ومن جهتها، تمكّنت واشنطن من عزل طهران بشكل شبه كامل عن النظام الماليّ العالميّ الأمر الذي حجّم الجهود الصينيّة والروسيّة والأوروبّيّة لثنيها عن سياستها. ببساطة، أثبتت الولايات المتّحدة أنّ خطّة العمل الشاملة المشتركة الموقّعة بين إيران ومجموعة 5+1 هي خطّة تفقد فاعليّتها بمجرّد خروج الأميركيّين منها.

مع اقتراب الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة، يرجّح الكاتب السياسيّ الدكتور حامد كرماني أن يساعد "كوفيد-19" في الحفاظ على "الستاتيكو المستقرّ نسبيّاً" بين الدولتين مستنداً إلى رفض إيران القبول بالمساعدة الأميركيّة ورفض الأميركيّين رفع العقوبات عنها. وهذا يعني بالنسبة إليه حفاظ كلا الطرفين على المسافة الكبيرة الفاصلة بينهما حتى انتخابات تشرين الثاني.

لم يعد التوتّر الثنائيّ خاضعاً لحسابات كوفيد19 بقدر ما هو خاضع لإمكانيّة تغيّر المعادلة سنة 2021 لا قبلها. لهذا السبب، لن يستفيد أيّ طرف من تصعيد التوتّر طالما أنّ التوازن قد يُكسر أو يتعدّل بشكل أو بآخر السنة المقبلة: إمّا مع وصول بايدن إلى الرئاسة وتخفيف الضغط تدريجيّاً عن إيران، وإمّا مع فوز جديد لترامب واحتمال توصّل إيران إلى قناعة مفادها أن لا بديل عن التفاوض معه.