مصير العام الدراسي بين الواقع والتنظير

نبيل الجوهري

عانى طلاب لبنان وأهاليهم الأمرّين خلال العام الدراسي الحالي، بحيث توقفت الدراسة فترات عديدة نتيجة الاحتجاجات الشعبية في الشارع، ومن ثم جائحة كورونا. فلم تتم تغطية أكثر من ثلث المناهج الدراسية تقريباً بالتعليم التقليدي في كافة مراحله المدرسية والجامعية.

لم تتدخل الدولة في المرحلة الأولى لإيجاد بدائل تعليمية، غير أنها وجدت نفسها ملزمة بهذا التدخل مع الجائحة الأخيرة، رغم أن الحدثين غير معروفة فترة استمرارهما في تعطيل التعليم. فكان من وزارة التربية أن عملت على تفعيل الوسائل البديلة في التعلّم، مع إيمانها بأنها وسائل رديفة ولا تحل محل الطرق التقليدية بشكل كامل.

إن ما يتم اعتماده تحت مسمى التعلّم عن بعد، من دروس مسجلة عبر تلفزيون لبنان واجتهادات فردية للجامعات والمدارس عبر وسائط التواصل، لا تغدو كونها وسائل رديفة أو مصادر إضافية للمتعلم، ولا يمكن اعتبارها بديلاً. فهي غير معتمدة قانوناً حتى اليوم وغير متاحة بشكل متساو للجميع. فكم من مدرسة ومعلم غير قادرين على تقديم بديل تعليمي خلال مهلة قصيرة جداً، وكم من متعلم غير قادر على متابعة ما قد يتم اعتماده من طرق تحتاج إلى توافر الهاتف الذكي أو الكمبيوتر، والتيار الكهربائي والانترنت السريع، وهي للأسف مازالت في بلدنا وسائل غير متاحة بسهولة.

إذاً، ليس من الإنصاف أن يقال بإتمام العام الدراسي بالوسائل البديلة هذه، وعليه لا بد من وضع خطة محكمة كحل لهذه المعضلة. وذلك يتم بمقارنة الحلول الممكنة واختيار أقلها ضرراً لجميع أطراف العملية التعليمية، من المدرسة إلى المعلمين فالطالب والأهل، من خلال الإجابة عن الإشكاليات التالية:

1ـ هل يمكن اعتبار التعلّم عن بعد بديلاً؟

2ـ ما هي آلية حفظ حقوق المدرسة والمعلمين والإداريبن من ناحية مصادر تأمين رواتبهم، وهل يجب أن يتقاضوا رواتبهم بالكامل؟ وهل يجب على الأهل تسديد أقساط المدرسة بالكامل؟

3ـ ما هو مصير الطلاب لهذا العام الدراسي، فهل يخسرون عامهم، أم يتم ترفيعهم تلقائياً، وفي الحالة الأخيرة كيف لهم أن يعوّضوا ما فاتهم لتأمين قدرتهم على اجتياز السنة التعليمية التالية؟


أولاً: في آليات التعلّم عن بعد وقانونيته:

يعتمد التعلّم المنزلي في العديد من دول العالم منذ فترة طويلة، وهو يصب الاعتماد الأول على الأهل في متابعة تعليم أبنائهم بالتوازي مع ما تقدمه المدارس الافتراضية من دعم مستمر في المادة والتقييم. فيبدأ هذا النوع من السنوات الأولى للمتعلم إلى المراحل الجامعية من خلال التعليم الافتراضي. وانه ليس من الخطأ أن يواكب لبنان هذا التطور، غير أنه بحاجة لعلم وعمل دؤوب لوضع استراتيجيات عامة وخطط تفصيلية ليصار بعدها إلى إصدار قانون يجيز التعلّم عن بعد ويحدد آليات معادلته بالتعليم التقليدي بالتوازي مع تأمين حاجيات تواصل الطالب الافتراضي (تيار كهربائي، انترنت سريع وغير مكلف..). وحالياً لا تعتمد أي من الدول العربية التعليم الافتراضي للمراحل الأساسية، فيما تعتمد كل من عُمان والأردن والإمارات التعليم العالي عن بعد بمعايير مختلفة. بالتالي فإن جاهزيتنا التكنولوجية وقوانينا الحالية في لبنان لن تنصف من يكملون دراستهم افتراضياً، والقول بسن قانون خاص يسمح بالتعلّم عن بعد استثنائياً هذه السنة، فيه من الخطورة واحتمال عدم دستوريته.

- ثانياً: ما مصير أقساط المدارس ورواتب العاملين فيها؟

لا شك أن الأزمة الحالية هي عامة تطال كل أطراف العملية التعليمية، وبالتالي فمن المنصف القول بضرورة تقاسم نتائجها السلبية. إن عدم تسديد الاقساط يؤدي حتماً إلى عدم حصول الإداريين والمعلمين على رواتبهم، كما أن تسديد الأقساط كاملة فيه غبن للطالب وأهله، فهم لم يحصلوا على ما يطلب اليهم تسديد تكاليفه بالشكل الكامل.

لإذاً، لا بد من اعتماد صيغة توفيقية، قد تكون تسديد الأهل نسبة 50 إلى 60 بالمئة من تكاليف العام الحالي، وكذلك حصول العاملين في المدارس على 50 إلى 60 بالمئة من قيمة رواتبهم. وذلك مقابل خسارة الطالب نسبة مماثلة من حقه في التحصيل العلمي.

ثالثاً: مصير العام الدراسي

لا بد من مفاضلة احتمالات ثلاثة، الأول اعتبار الوسائل البديلة كافية لاتمام العام الدراسي، والاعتماد على الطرق الجديدة التي تعتمدها المدارس والجامعات كأسس للتقييم، وفي ذلك غبن للطالب إضافة إلى عدم مراعاة القوانين المرعية كما تم تبيانه. والثاني إلغاء العام الدراسي، وهو بالطبع احتمال غير مقبول. والثالث الترفيع التلقائي لكافة الطلاب. هنا لا بد من الالتفات إلى ما يحصّن المستوى التعليمي العام وإلا ملأنا مدارسنا للعام المقبل بطلاب غير قادرين على مجاراة المستوى المطلوب. ولهذا، يمكن تخصيص الفصل الأول من العام الدراسي التالي لإتمام ما لم يتم تعلمه من السنة السابقة، إضافة إلى حذف بعض المحاور أو الفصول من مناهج السنة المقبلة بشكل مدروس.

إن ما تم عرضه قد يشكل أساساً لحل معضلة العام الدراسي الحالي، غير أننا في جميع الأحوال مدعوّون الآن إلى البدء ببناء هيكليات التعلّم الافتراضي، بخاصة أنه لا يمكن التنبؤ بتأكيد العودة إلى المدارس حتى في العام المقبل.