مبدأ لا جريمة ولا عقوبة إلا بنصّ في القانون الإداري

محمد صالح حسن

يُعدّ مبدأ لا عقوبة ولا جريمة إلا بنص أو بقانون، من المبادئ الراسخة في أغلب النظم القانونية، ومقتضاه أنه لا يمكن عدّ أي فعل جريمة لم يجرّمه المشرّع مسبقاً، كما لا يمكن فرض أي عقوبة لم يجعلها المشرّع من العقوبات التي يجب إنزالها بحق الجاني عند ارتكابه لجريمة ما، وهذا المبدأ يُعدّ من المبادئ الدولية، فمثلاً ينص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1948 في المادة 11 (لا يدان أي شخص من جراء فعل أو ترك إلا إذا كان ذلك يعتبر جرماً وفقاً للقانون الوطني أو الدولي)؛ كما تضمنه النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية لعام 1998 حيث نص صراحة في المادة (22) منه على أن (لا يسأل الشخص جنائياً بموجب هذا النظام الأساسي ما لم يشكل السلوك المعني وقت وقوعه، جريمة تدخل في اختصاص المحكمة). وتنص المادة (23) من هذا النظام أيضاً على أن (لا يعاقب أي شخص أدانته المحكمة إلا وفقاً لهذا النظام الأساسي).

وقد أخذ الدستور العراقي النافذ لعام 2005 بهذا المبدأ في المادة (١٩) التي تنص (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص). أما الدستور اللبناني لعام 1926 المعدل في المادة (7) ينص على أن (الحرية الشخصية مصونة وفي حمى القانون ولا يمكن أن يقبض على أحد أو يحبس أو يوقف إلا وفاقاً لأحكام القانون، ولا يمكن تحديد جرم أو تعيين عقوبة إلا بمقتضى القانون).

ومن إيجابيات هذا المبدأ أنه يحدد الجرائم مسبقاً بحيث إن كافة أفراد المجتمع على علم بأن الأفعال التي تعدّ جريمة، وأيّها لا يعدّ، فضلاً عن ذلك، فإن القاضي لا يستطيع أن يختلق أو يبتكر عقوبات غير منصوص عليها سواء في قانون العقوبات أو القوانين العقابية الأخرى، فالقاضي يصدر فقط تلك العقوبات المنصوص عليها في القانون.

أما في القانون الإداري، فإن أغلب التشريعات التي تنظم علاقة الموظف بالإدارة لا تنص على هذا المبدأ بصورة مطلقة، فهي لا تنص على مبدأ لا جريمة إلا بنص، ففي القانون الإداري لا يمكن تحديد الافعال التي تعد عقوبات مسبقاً، وذلك لكثرتها وصعوبة تحديدها، كما أن عدم النص على التجريم المسبق للافعال التي تعد جريمة في القانون الاداري هو من باب منح سلطة تقديرية للإدارة لتحديد الأفعال التي تشكل جريمة إدارية من عدمها، ولكن بالمقابل فإن المشرع لم يجعل سلطة الإدارة تقديرية في فرض أية عقوبة، بل تدخّل ونصّ على العقوبات التي يجب أن تفرض على الموظف وذلك حرصاً من المشرع على حماية الموظف من تعسف الادارة، فلو لم يتدخل المشرع في تحديد العقوبات الادارية لأصبح فرض العقوبة سلطة تقديرية للادارة، وهذا الأمر سيؤدي إلى فرض عقوبات قاسية على الموظف قد لا يُقصد منها تحقيق مصلحة عامة، بل قد يكون الهدف من وراء فرضها تحقيق مصلحة خاصة كانتقام من الموظف نتيجة لعدم قيامه بأعمال يطلبها منه رئيسه الإداري.