الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

سنغافورة ودروس "كورونا"... لا تستعجلوا الانتصار

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
سنغافورة ودروس "كورونا"... لا تستعجلوا الانتصار
سنغافورة ودروس "كورونا"... لا تستعجلوا الانتصار
A+ A-

تمكّنت سنغافورة بداية من تفادي تداعيات "كورونا" عبر إجراء فحوصات صارمة على الحدود وتعقّب مكثّف للمصابين وللأشخاص الذين احتكّوا بهم. وفرضت غرامات قاسية على منتهكي الحجر الصحّيّ وعلى مروّجي الأخبار الزائفة بينما وصلت بعض العقوبات إلى السجن. من جهتهم حافظ المسؤولون على تواصل يوميّ مع المواطنين أكان من خلال الإعلام أم من خلال تطبيقات خاصّة لإحاطتهم بجميع ما يتعلّق بهذا الوباء.

لقد كانت الجملة الأشهر التي أطلقتها منظمة الصحّة العالميّة عن سنغافورة بأنّها "لم تترك حجراً من دون أن تقلبه" في مكافحة "كورونا". بدت الحكومة مستعدّة جداً للتعامل مع الجائحة الجديدة بعدما تعرّضت لفيروس "سارس" سنة 2003 حين توفي 33 مواطناً سببه. مكّنت هذه الآليّات سنغافورة من تفادي إغلاق شامل للاقتصاد كما حصل في دول أخرى. فالمدارس والمطاعم وبعض أماكن العمل بقيت مفتوحة. لكنّ نقطة ضعف البلاد كانت في مكان أو أمكنة أخرى.

"علب سردين" و "قنبلة موقوتة"

بعيداً من وسط البلاد حيث ناطحات السحاب والمراكز الاقتصاديّة الحيويّة، انتشرت أحزمة مؤلّفة من شقق سكن العمّال المهاجرين المكتظّة أو المهاجع التي أصبحت مركز تفشّ جديد للوباء. حتى 14 نيسان، ومن أصل 3252 إصابة، كانت هنالك 1625 حالة مرتبطة بمهاجع العمّال المهاجرين. تسبّبت هذه "النقطة العمياء" في تفشّي الفيروس وفقاً للبروفسور في جامعة سنغافورة الوطنيّة دايل فيشر. بالفعل، وصف الرئيس السابق لبرنامج الأمراض المعدية في كلية الصحة العامة في الجامعة نفسها ريتشارد كوكر بأنّ العمّال المهاجرين هم "بطريقة ما غير مرئيّين وربّما منسيّون."

وذهب البعض في انتقاداته إلى أبعد من ذلك. كتب المحامي والديبلوماسيّ السنغافوريّ السابق تومي كوه على فايسبوك أنّ "المهاجع كانت أشبه بقنبلة موقوتة تنتظر الانفجار. الطريقة التي تتعامل بها سنغافورة مع عمّالها الأجانب ليست (أسلوب) دولة من العالم الأوّل بل من العالم الثالث." ووصف أماكن سكن المهاجرين بأنّها "علب سردين" حيث يصل عدد الأشخاص أحياناً إلى 12 في الغرفة الواحدة.

مع ارتفاع عدد الإصابات، اضطرّت سنغافورة إلى اتّخاذ إجراءات أكثر تشدّداً من ذي قبل وستستمرّ حتى 1 حزيران على الأقلّ. وسجّلت الدولة-الجزيرة (721 كيلومتراً مربّعاً و 5.6 مليون نسمة من بينهم 1.7 مليون مهاجر) أعلى وتيرة إصابات بفيروس "كورونا" بين جميع دول جنوب شرق آسيا.

استلحاق

سارع المسؤولون إلى تصحيح جزء كبير من الخلل. وزير العمل قال إنّه منذ كانون الثاني تمّ تذكير مشغّلي المهاجع بضرورة توفير النظافة وتفادي الاكتظاظ. وضمنت الحكومة أن يتمّ سداد رواتب وأجور العمّال خلال الحجر وأن يتمكّنوا من الوصول إلى الطعام والإنترنت والخدمات الأساسيّة.

كذلك، تلقّى العمّال المصابون عناية صحّيّة مجّانيّة. وحوّلت السلطات الكثير من المهاجع إلى مساحات للعزل وفرضت عليها إغلاقاً مع تقليل أعداد العمّال داخلها وإرسال بعضهم إلى مخيّمات عسكريّة او فنادق عائمة. تخطّت أعداد الإصابات في سنغافورة 22 ألف شخص حتى اليوم. وسجّلت 753 إصابة خلال الساعات الأربع والعشرين والماضية.

بصورة تقريبيّة ازدادت أعداد الإصابات بحوالي عشرين ألفاً في شهر واحد. لكنّ عدد الوفيات بقي منخفضاً نسبيّاً: 20 وفاة، أي ما يعادل 3 بالمليون وهي من المعدّلات العالميّة الدنيا. وتعدّ الرعاية الصحّيّة في سنغافورة متطوّرة إذ صنّفتها شبكة "بلومبيغ" كثاني أكثر عناية صحّيّة فاعليّة حول العالم لسنة 2018.

الانتصارات المبكرة أسوأ الانتصارات

يعتقد جايمس كابتري، بروفسور مشاركة في "كلية لي كوان يو للسياسة العامّة" التابعة للجامعة الوطنيّة في سنغافورة، أنّ تفشّي الوباء بين العمّال المهاجرين هو الموجة الثالثة لفيروس "كورونا" حيث انطلقت الأولى من الصين والثانية من السنغافوريّين العائدين من الخارج. وفي تحذير واضح من تفشّي موجات أخرى، كتب عن الصين واليابان التي اضطرّت أوائل أيّار لتمديد الإغلاق العام بعد تسجيل قفزة في الإصابات مجدّداً. وأضاف: "إذا كان بإمكان هذه الدورة الكئيبة أن تحصل في دولة منظّمة جدّاً مثل سنغافورة، فالاحتمالات هي أنّ الكثير من أمم أخرى سيكون عليها تحمّلها في وقت قريب بما فيه الكفاية."

ما تشهده سنغافورة ليس سوى جرس إنذار مبكر بالنسبة إلى الدول التي تريد تخفيف الإغلاق العام. إذ إنّ الجزء الأهمّ في تلك المعركة هو الانتباه إلى "الخيط الرفيع الفاصل" بين النجاح والفشل في إعلان الانتصار على الجائحة وفقاً لما كتبته صحيفة "آيريش تايمس" الإيرلنديّة. وحذّرت الصحيفة من أن تواجه إيرلندا مشكلة سنغافورة نفسها مع تخفيف دبلن الإجراءات الوقائيّة.

إنّ أسوأ الانتصارات هي التي يتمّ الإعلان عنها في وقت مبكر جدّاً، بغضّ النظر عن ميدانها. فعادة ما تكون إمّا غير مؤكّدة أو غير مترسّخة. شبكة الإنترنت مليئة بالسباقات والرياضات التي رفع فيها المتقدّمون شارات النصر قبل خسارتهم المركز الأوّل على بعد سنتيمترات من خطّ النهاية أو ثوانٍ من صافرة النهاية. والقاعدة نفسها تنطبق على محاربة "كورونا".

إذا كانت سنغافورة قد أعطت دروساً للعالم في كيفيّة مكافحة الجائحة فإنّ غرقها في موجة ثانية أو ثالثة من التفشّي يدقّ ناقوس الخطر حول مكامن الخلل التي يمكن أن تغفل عنها حكومات كثيرة أو حول مخاطر السرعة في تخفيفها للقيود. في نهاية المطاف، إنّ النجاحات والإخفاقات متساوية القيمة من حيث الدروس التي يمكن استقاؤها منها.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم