الجمعة - 19 نيسان 2024

إعلان

النفايات المكدّسة على الطرق أكثر رعباً في زمن كورونا... تواطؤ على صحة الناس!

المصدر: "النهار"
ليلي جرجس
ليلي جرجس
النفايات المكدّسة على الطرق أكثر رعباً في زمن كورونا...  تواطؤ على صحة الناس!
النفايات المكدّسة على الطرق أكثر رعباً في زمن كورونا... تواطؤ على صحة الناس!
A+ A-

ما شهدته بعض مناطق المتن وكسروان وبيروت منذ أيام، أعاد إلى أذهاننا أزمة النفايات في العام 2015، صور النفايات المكدسة بفظاعتها وقساوتها، احتلت وقتها المواقع الأجنبية التي تسابقت على نشر غسيلنا الوطني على صفحاتها. تكرر المشهد في ظل انتشار وباء #كورونا، وصرختنا الصحية التي تعكسها معدلات ارتفاع السرطان في لبنان والتي تعتبر الأعلى في المنطقة، نرفعها بصوت أعلى لأن ما نتنشقه اليوم أكثر سمّاً وخطورة. علماً أن الحلول الموقتة المتخذة لن تمنع عودة مشهد النفايات المكدسة بعد مدة.

معركتنا مع  الحلول غير المستدامة للنفايات ليست جديدة، تتوالى فصولها تباعاً، وفي كل مرة تفضح هشاشة التعاطي مع هذا الملف والتقاذف السياسي الذي يُتقنه اللاعبون المحليون على اختلاف مسؤولياتهم.

أكياس النفايات ملأت شوارع المتن الشمالي وكسروان وجزءاً من بيروت، ضاربة بعرض الحائط كل إنجازات السيطرة على فيروس الكورونا، ما تحتويه هذه النفايات خطير وبعضها مجهول. اليوم على لبنان أن يتعاطى مع أزمتين صحيتين: الأولى مع الفيروس المستجد، والثانية مع أزمة النفايات وما تحتويه من نفايات طبية منزلية غير مفروزة والتي تعتبر خطراً حقيقياً غير مرئي. مع العلم أن مجلس الوزراء بالأمس وافق على رفع مستوى الطمر في مطمر الجديدة متراً ونصف المتر لحل أزمة النفايات في كسروان والمتن وعدد من المناطق في بيروت. 

ما كانت تُحذر منه أستاذة مادة الكيمياء في الجامعة الأميركية في بيروت والمتخصصة في تلوث الهواء ومديرة مركز حماية الطبيعة، الدكتورة نجاة عون صليبا نُشاهده اليوم بأم العين. هي التي شكّلت صوتاً معارضاً لحرق النفايات وما قد ينتج عنه من موادّ سامة وخطيرة على صحتنا. صليبا ليست وحدها من نادت بضرورة التحرك السريع. فقد دقّ تقرير منظمة "هيومن رايتس ووتش" في السابق  تحت عنوان "كأنك تتنشق موتك: المخاطر الصحية لحرق النفايات في لبنان" ناقوس الخطر ، رافعاً الصوت عالياً في وجه الدولة اللبنانية لاتخاذ إجراءات سريعة وجذرية للحد من الكارثة البيئية التي تهدد السكان في المناطق المجاورة للمحارق. لكن اليوم المسألة أخطر وتتهدد حياتنا وتًشكّل مصدر عدوى من الفيروس نحن بغنى عنه، فهل من يعي خطورة الوضع؟ 

مشهد النفايات يُعيد الهواجس التي نسعى إلى تناسيها. وقتها رأى الاختصاصي في الأمراض الجرثومية والمعدية الدكتور جاك مخباط لـ"النهار" أننا "ندفع اليوم ضريبة عدم اكتراث اللبنانيين لصحة بيئتهم، وأن المحارق تأخذنا إلى مجتمع مسرطن على المدى الطويل". كما توقف مخباط عند "المواد الكيماوية المنبعثة في الهواء ومصدرها بخار النفايات أو غبار الدخان خلال الحرائق أو النفايات الكيماوية والتي تؤثر سلباً على الفشل (القصور) التنفسي او تزيد من نوبات الربو. دون أن ينسى مخاطر  المعادن النفطية ومنها الزئبق والكوبالت والرصاص، وهي مواد تتسرب من المياه الجوفية وتؤثر سلباً في المدى البعيد على صحة الإنسان ومنها ضعف الكلى، ومشكلات حادة في فقر الدم وسواها".

هذه الصرخة الطبية، تتجدد اليوم مع تجدد كارثة النفايات المكدسة في المناطق السكنية والشوارع. لدى الدكتورة نجاة عون صليبا الكثير لتقوله. فبرأيها أن "النفايات الطبية تُعالج عادةً بطريقة خاصة في الخارج وفي لبنان، حيث تقوم المستشفيات والمكبات الصحية المسجلة في الحكومة بتسليم نفاياتها إلى arc en ciel التي تعقمها وتعالجها قبل رميها. المشكلة في زمن #الكورونا أنه عند رمي النفايات المنزلية، نجد بعض الأشخاص الذين يخضعون للحجر المنزلي والذين قد يكونون مصابين بالفيروس وبالتالي تحتوي نفاياتهم المنزلية على كمامات وقفازات وأدوات استخدمها المريض قبل رميها في القمامة. وهذه النفايات التي تحمل الفيروس والتي تعتبر معدية، موجودة اليوم مع نفايات أخرى في مكان واحد".

وفق صليبا، "الدراسات تشير إلى أن الفيروس يعيش في الهواء وينتقل من شخص (مصاب) إلى آخر  من خلال الرذاذ (العطس أو السعال)، فإذا كانت هذه النفايات تحمل على أسطحها الفيروس فخطر انتقالها في الهواء كبير، فكيف إذا كانت هذه النفايات الموبوءة موجودة في الأحياء السكنية؟! مشددة على أن "العلم أثبتت حقيقتين:

1- الفيروس ينتقل في الهواء (لذلك نشدد على أهمية ارتداء الكمامات).

2-  الفيروس يعيش على أسطح البنايات والأعراض لفترة تتراوح بين الساعات والأيام. 

لذلك اذا كنتُ مصابة بالفيروس ووضعت نفاياتي المنزلية في الخارج يمكن أن أنقل العدوى إلى سكان البناية. إن مشهد النفايات على الطرق مخيف، ماذا لو كانت بعض هذه النفايات تعود إلى شخص مصاب وهي غير مفرزة على حدة، وإنما ممزوجة وموجودة مع نفايات أخرى. المريض وضع نفاياته المنزلية في كيس وبداخله الكمامات والقفازات وأدواته التي استخدمها من صحون وأكواب وغيرها... قبل أن يتم وضعها مع باقي النفايات".

هذه المشكلة الأولى، أما المعضلة الثانية التي نواجهها مع هذه النفايات المكدسة برأي صليبا أن "هذه النفايات التي قد تحتوي على نفايات مُعدية وموبوءة من شخص مصاب، ستكون مصدراً لطعام الفئران التي ستأكل من هذه النفايات دون التمييز بين النفايات المنزلية الموبوءة والسليمة، وبالتالي تصبح الفئران مصدراً ينقل العدوى سواء بوبرها أو بقوائمها أو بتنفسها. وقد تدخل الفئران في المجارير ومن بعدها تدخل إلى بيوتنا، وقد أكد العلم أن الفيروس يعيش طويلاً في المجارير، ولجأت بعض الدول إلى فحص المجارير  في القرى لمعرفة وجود الفيروس ومدى انتشاره. إذاً نحن أمام مشكلة كبيرة، فالحيوانات كالهررة والكلاب والصراصير أو الجرذان تأكل من النفايات أو تلمس الأكياس الملوثة ثم تدخل إلى بيوتنا وتتنفس أمامنا".

وبالرغم من كل الاحتياطات والإجراءات الوقائية، قد نصاب بالفيروس بأسخف طريقة. وفي هذا الصدد تؤكد صليبا أن "عدم إدارة النفايات والصرخة التي أطلقناها منذ سنة في هذا الموضوع. وما نشهده اليوم في بعض المناطق من حرق نفايات خطير جداً. ممنوع حرق النفايات وخصوصاً في مناطق سكنية وهذا القرار أصدره وزير الصحة في العام 2017. وبناءً عليه، على الناس أن تنشر أي مخالفة والتي تعتبر بمثابة إخبار ضد البلديات، وهذا ما حصل مع بلدية انطلياس التي كانت تحرق النفايات، وبعد نشر بوست على فايسبوك تحركت بعد 18 دقيقة لأنها تعرف تماماً أن حرق النفايات مخالف للقانون".

واستطردت أن "حرق النفايات ينتج عنه مواد سامة وخطيرة جداً. لذلك الحل يكمن في تطبيق الحلول المطروحة، الموضوع ليس فقط في فرز بعض النفايات من المصدر، وإنما نحتاج إلى دراسة على صعيد البلدية واتحاد البلديات. على الدولة أن تقرر كيفية معالجة النفايات سواء باللامركزية أو بالمركزية والبحث في مدى قدرة البلديات على تحمل النفقات أو حتى التعاون على صعيد اتحاد البلديات أو على صعيد القضاء. ولكن يجب اتخاذ القرارات وإيجاد الحل ضمن القانون والدولة وعدم الاستهزاء والاستخفاف بعقول الناس". وتختم صليبا قائلة: "الحل موجود ولا يحتاج إلى ابتكار، الحلول موجودة وهي بيد السياسيين ولطالما كانت أزمة النفايات سياسية وليست تقنية".





الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم