الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

أيّ تحوّلات ستطرأ على اقتصاد ما بعد "كورونا"؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
أيّ تحوّلات ستطرأ على اقتصاد ما بعد "كورونا"؟
أيّ تحوّلات ستطرأ على اقتصاد ما بعد "كورونا"؟
A+ A-

خسارة الابتكار

قد يكون توقّع تصاعد الريبة السياسيّة من العولمة كما الريبة الشخصيّة من النشاطات التي تطلّب تماساً بين البشر أمراً بديهيّاً في الأشهر المقبلة. لكن حتى لو تمظهرت هذه الريبة بحدودها الدنيا، فسيُلحظ تأثيرها على الاقتصاد.

ترى مجلّة "إيكنوميست" أنّه مع اختيار الولايات المتّحدة اتّباع الإجراءات الموجودة في كوريا الجنوبيّة أو الصين وحتى لو ظلّ الأميركيّون مبتعدين عن بعضهم البعض بمسافة نصف متر، فسيخسر الاقتصاد الأميركيّ 10% من قدرته الإنتاجيّة. المشكلة بحسب "إيكونومسيت" أنّ الاقتصاد سيكون أكثر هشاشة، أقلّ ابتكاراً وأكثر معاناة من غياب الإنصاف. وتضيف المجلّة أنّ عدم القدرة على الدفع يصعّب على أيّ شخص أو شركة الاستثمار في المشاريع.

قد تكون خسارة القدرة على الابتكار ضربة مؤلمة للنموّ. يصف الابتكار تطوير وتنفيذ الأفكار والتكنولوجيا التي تحسّن البضائع والخدمات وتجعل إنتاجها أكثر فاعليّة. وهذا يعني تلقّي الزبائن والأعمال منفعة أكبر، الأمر الذي يؤمّن ارتفاعاً في أجور العمّال. وعندما تصبح الشركات أكثر إنتاجيّة ستوسّع هامش أرباحها ممّا يمكّنها من الاستثمار أكثر وتوظيف المزيد من العمّال. لكنّ انخفاض الابتكار إذا تحقّق سيكون وصفة جاهزة للركود.


الاقتصاد الافتراضيّ

يفترض التباعد الاجتماعيّ الانتقال أكثر إلى العالم الافتراضيّ في مجال التجارة. تكتب إيفا جانغ ويي جي في معهد بترسون للاقتصادات الدوليّة أنّ مبيعات التجزئة الشخصيّة انخفضت بنسبة 24% في الصين خلال الربع الأوّل من السنة الحاليّة، لكنّ المبيعات على الشبكة العنكبوتيّة ارتفعت بنسبة 6% وأصبحت تشكّل 25.5% من مبيعات التجزئة عل الصعيد الوطنيّ بزيادة 5% عن الفترة نفسها من السنة الماضية.

يرى الكاتبان أنّ الصين معتادة على التجارة الإلكترونيّة ولذلك كان هذا الانتقال سلساً نسبيّاً. واللافت أنّ تفشّي وباء "سارس" سنة 2003 هو الذي وضع أسس نظام "علي پاي" وهو اليوم أكبر نظام للدفع على الشبكة العنكبوتيّة.

لا يرتبط الانتقال إلى التجارة الإلكترونيّة بالحماية من فيروس "كورونا" فقط بل بمستقبل التجارة ككلّ. مجموعات مثل "أمازون" و "علي بابا" تقدّم مثلاً على ذلك. كان جاك ما مؤسّس "علي بابا" قد أعلن منذ سنوات أنّ مجموعته ليست مجرّد شركة مبيعات بل هي اقتصاد قائم بحدّ ذاته.

وقال إنّ شركته تسعى لكي تصبح خامس أكبر اقتصاد عالميّ بحلول سنة 2036. على الرغم من ذلك، لا تستطيع التجارة الإلكترونيّة أن تحلّ بالكامل مكان تجارة التجزئة الشخصيّة، إذ سيظلّ للأخيرة دور في اجتذاب نوع معيّن من الزبائن الذين يفضّلون تفحّص السلعة قبل شرائها.


تحوّل في نوعيّة الاستهلاك

بحسب رأي ماري پورتاس في مجلّة "فايننشال تايمس"، هنالك دوماً مكان للمتاجر المادّيّة لكن سيتوجّب عليها أن تكون "استثنائيّة". لا تعني هذه الاستثنائيّة كلفة أعلى بل أن تكون "عبقريّة". وتلفت النظر إلى أنّ "كوفيد-19" سيقيّد الاستهلاكيّة لصالح الاستدامة مشيرة إلى أنّ "مستقبل الطموح المعاصر سيرتبط قليلاً جدّاً بما هو أكثر، أكثر، أكثر. (إنّما) سيتمحور حول الأفضل."

ومع ذلك، ثمّة سؤال عمّا إذا كان البحث عن الأفضل كافياً لدفع عجلة الاقتصاد. فالاستهلاك جزء أساس من هذه المعادلة، والمثل على ذلك هو سعي الشركات البارزة دوماً للنفاذ إلى الأسواق الاستهلاكيّة الكبرى التي تحقّق لها مكاسب ماليّة مضمونة.

على سبيل المثال، كانت الصين وجنوب شرق آسيا تصنّع للدول الغربيّة وبحسب متطلّبات أذواق المستهلكين في تلك الدول. اليوم، باتت الدول الغربيّة تصنّع بحسب الأسواق الاستهلاكيّة في جنوب شرق آسيا بالنظر إلى ارتفاع الدخل القوميّ بالنسبة إلى الفرد في تلك الدول وبالتالي ارتفاع قدرته على الاستهلاك. لهذا السبب، يعدّ الانتقال من عقليّة استهلاك الأكثر إلى عقليّة استهلاك الأفضل سيفاً ذا حدّين.


الحل التقليديّ لم يعد حلّاً

قدّم "كورونا" درساً صعباً بالنسبة إلى المؤمنين بدور أهمية المدن في احتضان اقتصاد المعرفة. فخلال السنوات الخمس عشرة الماضية، وبسبب الاعتقاد بقدرتها على تأمين فرصة للأشخاص كي يلتقوا ويتبادلوا الأفكار، سادت التوقّعات بأن يكون المستقبل في المدن لا في الضواحي أو المناطق الريفية. لكنّ هذا الأمر تغيّر وفقاً لأستاذ الاقتصاد السياسي الدولي في مركز الشؤون الدولية التابع لجامعة نيويورك إدوارد غولدبيرغ الذي طرح مشاكل أخرى في اقتصاد ما بعد "كورونا".

إنّ طرق تحفيز الاقتصاد الناجمة عن خفض البنوك أسعار الفائدة لتسهيل عمليّة الاقتراض والشراء في حال تفشّي الأوبئة لن تنتج قيمة مساوية بالمقارنة مع تأثيرها الإيجابيّ الذي أثبتته في مواجهة التقلّبات الماليّة مثل أزمة 2008. فالخوف من التقاط العدوى سيقلّل رغبة المستهلك بالشراء بغضّ النظر عن إمكاناته المادّيّة. وهذا ما قد لا يساعد كثيراً الشركات في الحفاظ على أعمالها.


من العولمة إلى الأقلمة

هنالك أيضاً تساؤلات عمّا إذا كانت سلسلة الإنتاج ستعود إلى طبيعتها بعد نهاية الجائحة. بدءاً من استخراج الموارد الطبيعيّة مروراً بالتصنيع وصولاً إلى المتاجر المحلّيّة، ستكون عناصر الإنتاج أكثر هشاشة في المستقبل القريب. تتوقّع مجموعة "ماكينزي" انتقال العالم من العولمة إلى الأقلمة.

وترى أنّ الجائحة كشفت الاعتماد الخطِر للعالم على عقَد ضعيفة في سلاسل التموين الدوليّة، إذ تمثّل الصين مثلاً ما بين 50 إلى 70% من الطلب العالميّ على الحديد والنحاس والنيكل والفحم المعدنيّ. وتتوقّع إعادة هيكلة ضخمة مع تقريب لعناصر الإنتاج والمصادر من المستخدمين النهائيّين، كما تترقّب تحوّل الشركات إلى مركزة أو أقلمة سلاسل توريدها.

لكن لا ينبغي رؤية إعادة الهيكلة على أنّها فقط ردّة فعل جذريّة على تفشّي "كورونا". بل قد تكون الأقلمة نتيجة لتباطؤ العولمة في العقد الأخير إضافة إلى متغيّرات سوق العرض والطب. فالشركات بدأت منذ سنوات تأسيس فروع لها بالقرب من المراكز الاستهلاكيّة كي تستجيب سريعاً للاتّجاهات الجديدة والمطالب المتغيّرة للزبائن.

وستتمتّع هذه الفروع باستقلاليّة كبيرة عن الشركات الأم بالنظر إلى فهمها الأكبر لاحتياجات الزبائن. فالقرب من الزبائن أصبح بالنسبة إلى الشركات أهمّ من الحصول على اليد العاملة الرخيصة. بالفعل، بدأت تجارة السلع تنخفض بالنسبة إلى النموّ الاقتصاديّ العالميّ منذ سنة 2007 وبشكل شبه مطّرد. بالمقابل، شهدت تجارة الخدمات ارتفاعاً ملحوظاً نسبة إلى هذا النموّ.


ركيزة اقتصاد ما بعد كورونا

من المتوقّع أن تتبلور متحوّلات اقتصاديّة أخرى بمرور الوقت. ستعتمد الأخيرة على قراءة متأنّية لمتغيّرات عدّة منها طريقة تعافي الدول من الإغلاق الكلّيّ وطريقة تحويل استثماراتها للبنية التحتيّة الصحّيّة. فهذه الاستثمارات ستشكّل ركيزة اقتصاد ما بعد "كورونا"، اقتصاد سيكون سريع التحوّل لا بسبب الجائحة وحسب بل أيضاً بفعل التحوّلات التي طرأت على متطلّبات الإنتاج في العقد الأخير.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم