حفتر "ينتقم" لتراجعه عسكرياً...أنا حاكم كل ليبيا

أعلن قائد "الجيش الوطني الليبي" المشير خليفة حفتر، الرجل القوي في شرق البلاد والذي تخوض قواته منذ أكثر من عام معارك للسيطرة على العاصمة طرابلس، في وقت متقدم الإثنين "إسقاط" الاتفاق السياسي الموقّع في الصخيرات بالمغرب في 2015 وحصوله على "تفويض شعبي" لإدارة البلاد.

معلوم أن حفتر المدعوم من البرلمان المنتخب الذي يتخذ شرق ليبيا مقراً له، لا يعترف بشرعية حكومة الوفاق الوطني المعترف بها أممياً، والتي تشكّلت بموجب اتّفاق الصخيرات في كانون الاول 2015.

ومنذ 2015 تتنازع الحكم في ليبيا سلطتان: حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها فايز السرّاج ومقرّها طرابلس وحكومة موازية يدعمها حفتر والبرلمان المنتخب في شرق البلاد.

وعانى حفتر في الأسابيع الأخيرة من هزائم عسكرية عدة أجبرته على الانسحاب من مدنٍ عدة حول طرابلس. ويرد المراقبون التراجع العسكري لحفتر إلى الدعم النوعي الذي حصلت عليه قوات حكومة الوفاق الوطني من تركيا ولا سيما الطائرات المسيرة ومقاتلون من المعارضة السورية جندتهم أنقرة للقتال إلى جانب حكومة الوفاق.

وفي كلمة بثتها قناة "ليبيا الحدث" الناطقة باسمه مساء الإثنين، قال حفتر من بنغازي حيث مقرّ قيادته: "أيها الليبيون الأحرار تابعنا استجابتكم لدعوتنا لكم بإعلان إسقاط الاتفاق السياسي المشبوه الذي دمّر البلاد وقادها إلى منزلقات خطيرة، وتفويض من ترونه أهلاً لقيادة هذه المرحلة".

وأضاف: "نعبّر عن اعتزاز القيادة العامة - الجيش- لتفويضها بهذه المهمّة التاريخية في هذه الظروف الاستثنائية، وإيقاف العمل بالاتفاق السياسي ليصبح جزءاً من الماضي بقرار من الشعب الليبي مصدر السلطات".

ولم يوضح حفتر من أين حصل على هذا "التفويض الشعبي"، وما إذا كان البرلمان المنتخب في 2014، يدعم خطوته هذه ولا أتى على ذكر المفاعيل السياسية التي يمكن أن تترتّب عليها.

كما أكّد الرجل القوي في شرق ليبيا استمرار هجومه على طرابلس، وقال إن قواته سوف تعمل "على تهيئة الظروف لبناء مؤسسات الدولة المدنية الدائمة وفقاً لإرادة الشعب حتى نهايتها".

ولم يصدر عن البرلمان المنتخب أي تعليق في الحال على إعلان حفتر.

واعلن مجلس أعيان مدينة الزنتان جنوب غرب ليبيا "الجيش الوطني"، لتولي مسؤولية تسيير أمور البلاد.

وأعلن بيان المجلس تأييده لعملية الكرامة التي تقاتل التنظيمات الإرهابية، على حد وصف المجلس.

وفوض مجلس أعيان الزنتان القوات المسلحة الليبية بإعداد دستور للبلاد يتوافق عليه الليبيون، والذهاب إلى انتخابات برلمانية ورئاسية، تمارس من خلالها كل مكونات الشعب الليبي حقها في التعبير وإسهامها في بناء ليبيا للجميع وبالجميع. وشدد بيان الزنتان على أن هذا التفويض يأتي بمثابة محاولة أخيرة لإنقاذ البلاد من الحروب والصراعات، ووقف ما تتعرض له من إرهاب وتدخل خارجي سافر على مدى قرابة عقد من الزمان.

حكومة الوفاق: إنه انقلاب

وفي المقابل، اعتبر المستشار السياسي لحكومة الوفاق محمد علي عبد الله ،أن حفتر كشف مرة جديدة نياته للعالم. وقال إن حفتر "لا يخفي ازدراءه للحل السياسي وللديموقراطية في ليبيا"، معتبراً أنّ "الإعلان الذي أصدره هذا المساء هو خطوة يائسة لرجل مهزوم".

والاتفاق السياسي الذي وقعه الفرقاء الليبيون نهاية عام 2015، أناط السلطة السياسية في البلاد بالبرلمان المنتخب عام 2014 (سلطة تشريعية) والمجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني (سلطة تنفيذية)، إلى جانب المجلس الأعلى للدولة. وبحسب الأمم المتحدة، قُتل المئات وشُرد أكثر من 200 ألف منذ شنّ حفتر هجومه للسيطرة على طرابلس في نيسان 2019.

ورداً على إعلان حفتر، أكد المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، على ضرورة القضاء على ما وصفه بالمشروع العسكري لحفتر.

ودعا المجلس (هيئة نيابية استشارية في طرابلس) في بيان، مجلس النواب إلى الالتئام من أجل امعاودة عملية الحوار السياسي، مع ضرورة التمسك بالاتفاق السياسي كإطار حاكم للمرحلة الانتقالية.

وطالب الأطراف الداعمة لحفتر بالوقوف مع أبناء الوطن لبناء الدولة المدنية. كما دعا المجلس الأعلى الأمم المتحدة وبعثتها في ليبيا إلى رفض "العبث الذي يقوم به مجرم الحرب حفتر"، وتحمل مسؤولياتهم السياسية والأخلاقية أمام الشعب الليبي، بحسب وصف البيان. وقال المجلس إن حفتر انقلب على الهيئات السياسية التي دعمته وعينته. ووجه المجلس نداء إلى جميع أعضاء مجلس النواب للالتحاق بزملائهم في طرابلس، وبدء حوار شامل للوصول إلى حل دائم عبر صناديق الاقتراع.

وفي هذا السياق، دعا مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة الطاهر السني، إلى متابعة موقف المجتمع الدولي مما وصفه بالانقلاب الخامس في تاريخ حفتر.

وكتب في تغريدة على تويتر بعض الأسئلة التي قال إنها في حاجة إلى إجابات: هل هناك لبس في كونه معرقلاً للعملية السياسية وقرارات مجلس الأمن؟ هل لديه وقواته أي شرعية وغطاء سياسي بشكل مباشر أو غير مباشر من مجلس النواب كما كانت تتحجج به الدول الداعمة له؟

ردود دولية

وفي الردود الدولية، قالت موسكو إنها تفاجأت بإعلان حفتر، وأكدت على لسان مصدر في وزارة الخارجية الروسية، أنها تدعم الحوار الشامل بين الأطراف الليبية في إطار العملية السياسية. وفي هذا السياق، أعربت الولايات المتحدة عن أسفها في شأن إعلان حفتر.

جاء ذلك في بيان للسفارة الأميركية لدى طرابلس، التي أفادت بأن الولايات المتحدة تعرب عن أسفها لما وصفته "باقتراح حفتر". وشددت على أن "التغييرات في الهيكل السياسي الليبي لا يمكن فرضها من خلال إعلان أحادي الجانب".

لكن السفارة رحبت بأي فرصة لإشراك حفتر وجميع الأطراف في حوار جدي حول كيفية حلحلة الأزمة وإحراز تقدم في البلاد.

وتوصلت بعثة الأمم المتحدة مع طرفي الصراع في ليبيا في 23 شباط الماضي، إلى اتفاق يقضي بتشكيل لجنة "5+5" العسكرية المؤلفة من خمسة أعضاء من كلا الطرفين. واجتمعت اللجنة في جنيف لمواصلة بحث وقف النار برعاية أممية، لكن استمرار ميليشيات حفتر في قصف أحياء العاصمة طرابلس أدى إلى تجميد الاجتماعات.

وفي كانون الأول 2015، وقعت الأطراف الليبية اتفاقاً سياسياً في مدينة الصخيرات المغربية، أنتج تشكيل مجلس رئاسي يقود حكومة الوفاق، إضافة إلى التمديد لمجلس النواب، وإنشاء مجلس أعلى للدولة.