الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

لبنان بين الاعتدال والانقلاب

المصدر: النهار
د. إيلي شديد
لبنان بين الاعتدال والانقلاب
لبنان بين الاعتدال والانقلاب
A+ A-

مِن المتعارفِ عليه أنَّ أثناءَ الاعتدالِ الخريفيّ في النّصفِ الشمالي من الكرة الأرضيّة، يتساوى اللّيلُ والنهار. لكن يبدو أنّ اللّيلَ الاقتصادي والاجتماعي في لبنانَ مستمرٌّ لفترةٍ غير محددّة. ففي أيلول 2019، بدأتْ تبرزُ أزمةٌ اقتصاديةٌ كانت قد ظهرَت ملامحُها قبلَ ذلك بنحو شهرين مع بدءِ جفافِ الأسواق من الدّولار الأميركي نتيجةَ حصارٍ سياسيٍّ واقتصادي من جهةٍ، وتهريب الأموالِ بالدولار للخارج من جهةٍ أخرى، فضلاً عن غياب الثقة في النظام المصرفي الُلبناني. وفي أيلول، اشتدَّت الأزمةُ وانعكسَت على الأوضاعِ الاقتصادية والاجتماعية للسكّان الّذين اعترضوا على السّياسات الحكومية المتّبعة والتي أدَّت إلى تجويعِهم. وقد ترافقَت تظاهراتُهم مع إقفالٍ للمؤسّساتِ والمصارف مدّةَ أسبوعين، ما جعلَ النّاس تتهافتُ على سحبِ أموالها من المصارف وإيداعها في المنازلِ خوفًا من خسارةِ ودائعها. وقد أدّى زيادةُ الطّلبِ على العملات الأجنبيّة وانخفاض العرض، ولا سيّما في ما يخصّ الدّولار، إلى ارتفاع سعره عن المعدّلِ الذي بقي ثابتًا عليه منذ العام 1998 حتى تشرين الأول 2019 ، بسعرٍ وسطي يساوي 1510 ليرات لبنانية مقابل الدّولار الأميركيّ الواحد.

إذًا، يعيشُ الاقتصادُ اللبنانيُّ منذ أواخرِ العام 2019، وهي فترةُ الانقلابِ الشتويّ، حالةَ تدهورٍ لا سابقَ لها. وهي ناتجةٌ بالدّرجةِ الأولى عن ارتفاع سعر الدّولار مقابلَ اللّيرة اللبنانيّة بشكلٍ جنونيٍّ، إذ تجاوزَ الـ 2000 ليرة لبنانية للدّولار الأميركي الواحدِ، واستمرَّ بالارتفاع ليبلغَ في فترة الاعتدال الربيعيّ (21 آذار)، 2500 ليرة لبنانيّة قبل أن يُسجّلَ أعلى ارتفاعٍ له في 23 نيسان 2020، حيثُ لامسَ الـ 4000 ليرة، ما جعلَ اللّيرة اللبنانية تخسرُ ما يزيدُ على 60% من قيمتها مقابلَ الدّولار. ومنَ المتوقّعِ أن ينخفضَ النّاتجُ المحليُّ للفرد من 10000 دولار سنويًّا، حيثُ يساوي معدّل الراتب الشهري 833$ على سعر الصّرف القديم للدّولار البالغ 1510 كسعرٍ وسطيٍّ، إلى 5000 دولارٍ سنويًا، أي بمعدل راتبٍ شهري قيمتُه 416$ .

ولم يكُنْ لبنان بغنى عن أيِّ مشكلةٍ تزيدُ الوضعَ سوءًا، إلّا أنّه تعرّضَ إلى جائحةِ الكورنا الّتي اجتاحت العالم. فتمَّ تسجيلُ أوّل إصابةٍ في 21 شباط لتتوالى بعدَ ذلك الإصاباتُ تدريجيًّا، ما دفعَ الحكومةَ إلى اتّخاذ عددٍ من الخطوات الاحترازية. فعمدَت كخطوةٍ أولى إلى إقفالِ المؤسّساتِ التربويّةَ كافّةً وإداراتِ الدّولة، ثمّ تلتها خطوةٌ ثانيةٌ أكثرَ تشدّدًا في نصف آذار، دعت إلى التّعبئة العامّة وحظرِ التجوّل واتّباع سياسة المفرد والمزدوج للسيّارات بهدفِ التّخفيفِ من حركة السّيرِ وتجنّبِ الاختلاط.

وقد أدّت سياسةُ التّعبئة العامّة التي اعتمدتها الحكومةُ إلى إقفالِ معظمِ المؤسسات، ما جعلها تتكبّدُ خسائرَ فادحةً انعكست سلبًا على القدرة الشرائيّة للمواطن بسبب ارتفاع الأسعار بطريقةٍ جنونيّة وعدمِ دفع الرّواتب أو إعطائها مجتزأةً، فضلًا عن صعوبة الاستيرادِ منَ الخارج بسببِ إقفال الحدود البريّة مع سوريّا وإغلاقِ المطار، ما صعّب استيرادَ الحاجات الملحّةِ من الموادِ الغذائيّة. ووفقَ آخرِ الإحصاءات، فقد بلغَتْ خسائرُ الدّولة اللبنانية في ظلِّ الأوضاع الإقتصادية الراهنة وتوقف الحركة التجاريّة نتيجةً للتّعبئة العامة، 100 مليون دولارٍ أميركي يوميًّا.

وفي ظلِّ هذه الأوضاعِ المعيشيّة، نرى أنّ السّطلةَ تبدو عاجزةً عن تلبيةِ حاجاتِ المواطنين المعيشيّة ومساعدةِ الأسرِ الأكثرَ فقرًا والأفراد الأكثرِ حاجة للمساعدة على الرّغم من إعلانها الرّغبةَ في تقديمِ مبلغِ 400 ألف لهذه الفئةِ من السكّان. ولكن، ما قيمةُ هذا المبلغ بظلِّ ارتفاع أسعار السّلع بهذا الشّكلِ الهستيريّ وارتفاع سعر الدّولار مقابلَ الليرة اللبنانية ولا سيّما أنَّ 90% من السّلع في لبنان هي مستوردةٌ من الخارج ويتمُّ تسعيرها بالدّولار الأميركي؟ وبالمقابل، عمدَت منظمّاتُ المجمتع المدني من جمعيّاتٍ ونوادٍ وأحزابٍ إلى تقديم مساعداتٍ عينيّة للمحتاحين أو للّذين تضرّروا نتجية إقفال المؤسسات وغيابِ أيِّ مدخولٍ كافٍ لتأمين لقمةِ العيش.

وانطلاقًا ممّا وردَ أعلاه، على الدّولة اللبنانيّةِ القيام بعدد من الخطوات لتحسين الواقع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد .

فبالنّسبة للقطاعِ الزارعي، أصبحتِ العودةُ إلى الأرضِ واستغلالها ضرورةً ملحّةً لا سيّما أنّ حوالي65 % من الأراضي في لبنان صالحةٌ للزّراعة ولا يستغلُّ منها سوى نسبة ضئيلة جدًّا أي حوالي 20 %. كما أنّ هذا القطاعَ لا يساهمُ سوى بنسبةٍ صغيرةٍ جدًّا في النّاتج المحلي لا تتجاوزُ الـ 5%. وهو يعاني أيضًا من مشاكلَ عدّةٍ، أبرزُها ارتفاعُ أسعار الموادّ الأوليّة للانتاج وارتفاع كلفةِ اليد العاملة، فضلًا عن منافسة المنتجاتِ الزراعيّة الأجنبيّة للمنتجات الزراعية اللبنانيّة. أضف إلى ذلك إقفالُ الحدودِ والمعابر البريّة عبر سوريا ونحو البلدانِ العربيّة، ما كبّدَ هذا القطاع خسائرَ فادحة.

أمّا على الصّعيد الصناعي، فبسبب إقفالِ الحدودِ البريّة مع سوريا وإقفال المطار، أصبحَ استيرادُ المواد الأوليّة من الخارج صعبًا، فضلًا عن صعوبة إنتاج المواد الأوليّة الصناعيّة محليًّا. ومن هنا، على الدّولةِ والبلديات وأصحاب رؤوس الأموال تأمينُ الدّعم للصناعيّينَ والعودةُ إلى تشجيعِ الصّناعات الحرفية والغذائية رغم المدخول الضّئيل لهذه الصّناعات، إلّا أنّها تساهمُ إلى حدٍّ ما في تأمينِ نوعٍ من المردود الماليّ للصناعيّين وعائلاتهم.

ولبنانُ غنيٌّ بموارده الطبيعيّة، إذ يمتلكُ معالمَ طبيعيّةً خلّابة تنتشرُ على معظمِ الأراضي اللبنانيّة. ويمكنه الإستفادةُ منها ماديًّا في حال أحسن استغلالها، كما يمكنُ استغلالُ الموارد البشريّة الهائلة الّتي أثبتَت كفاءَتها في لبنان وفي العالم.

ومنَ الواضحِ أنّ نظامَ المحاصصة الّذي وُضع منذ العام 1992 حتى اليوم، أدّى إلى تعميقِ الفجوة بين اللبنانيّين وإلى زيادةِ الفروقِ الاجتماعية بين مكونّات المجتمع. كما ونتجَ عنهُ ارتفاعُ نسبة البطالة، إذ بلغت نسبةُ العاطلين عن العمل حوالي 60 %، وزيادةُ الفقر نتيجةَ إهمال الدّولة للقطاعاتِ المنتجة ولا سيّما الزّراعة والصناعة واعتمادها بالمقابلِ على قطاع الخدمات الّذي يعتبرُ أكثرَ القطاعات تأثّرًا بالأوضاع الأمنيّةِ والاقتصادية.

ويبقى الأملُ في أن يكونَ موعدُ الانقلاب الصيفي، حين تزدادُ ساعاتُ النّهار وتنخفض ساعاتُ اللّيل، بازغةَ أملٍ للمواطنين اللبنانيّين وموعدَ عودةِ النّهار والأمل إلى الحياةِ الاقتصاديّة والماليّة والصحيّة؛ لا سيّما أنّنا بدأنا نلحظُ تراجعًا تدريجيًّا في خطّةِ التّعبئة العامّة، ما سيسمحُ للمواطن بالعودةِ إلى عمله، والطّالب إلى جامعته، والتّلميذ إلى مدرستِه. وهذا يوحي بأنَّ الحياةَ ستعودُ إلى طبيعتها في حزيران في حالِ بقيت حالاتُ الإصابة بكورونا منخفضةً، على أمل أن ينعكس هذا التطور في الإجراءات الصحية لمكافحة وباء كوونا، إجراءات للحدّ من الأزمة المالية الحادّة التي يعاني منها الشعبُ اللبناني.




الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم