الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

إلى أيّ مدى سيأسر كورونا العالم في الواقع الرقميّ؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
إلى أيّ مدى سيأسر كورونا العالم في الواقع الرقميّ؟
إلى أيّ مدى سيأسر كورونا العالم في الواقع الرقميّ؟
A+ A-

إنّ قدرة المزيد من موظّفي الشركات على إنجاز أعمالهم عن بعد تعني انخفاضاً في التكاليف المكتبيّة والإداريّة والتشغيليّة. يمكن بالتالي تخصيص الموارد المتاحة الإضافيّة إلى الأبحاث والاستشارات والدورات التدريبيّة للموظّفين. وهنالك أيضاً إيجابيّات أخرى غير مباشرة لكن مهمّة مثل التخفيف من ازدحام السير والتلوّث.



المتغيّرات المتوقّعة

اتّباع نمط عمل افتراضيّ جديد لدى قطاعات بأكملها ليس أمراً يسيراً. بداية، ثمّة غموض حول المدى الزمنيّ لاستمرار تفشّي كوفيد-19. كلّما طالت هذه الفترة، صعُب أكثر العودة إلى ما قبلها. لذلك، سيميل أرباب الأعمال الكبيرة والمتوسّطة إلى وضع خطّة طويلة المدى لا تضمن تخطّي هذه المرحلة وحسب بل أيضاً الاستعداد لعالم بمزيد من الأوبئة المستقبليّة.

سوف يفرض هذا العالم انسحاب تلك الأعمال أكثر وأكثر إلى الشبكة العنكبوتيّة والعالم الافتراضيّ. لهذا السبب، بدأت تطبيقات جديدة تلقى إقبالاً كثيفاً في الآونة الأخيرة بدءاً من "زوم" و "سلاك" و "تيم" وغيرها من التطبيقات التي تتيح الدردشة الآنيّة أو التواصل المرئيّ السريع، من أجل تنسيق الأعمال عن بعد.

بناء على ذلك، تساءل مؤخّراً الباحث البارز في "المجلس الأطلسيّ" أنديرس أسلاند عمّا إذا أصبحت المكاتب التقليديّة من الماضي، كما تساءل عن السبب الذي يدعو الناس إلى إنفاق المزيد من المال على التنقّل والسفر والمخاطرة بالتقاط الأمراض في عصر "سكايب" و "زوم".

يوافقه في هذا التحليل البروفسور المشارك في جامعة سيدني سلفاتور بابونس الذي رأى أنّ العالم المنفصل عن الإنترنت كان الأساسيّ (60%) بينما العالم المتّصل بالإنترنت هو الثانويّ (40%). اليوم، انقلبت الآية مع تفشّي كوفيد-19. بالنسبة إليه، هذا هو جوهر القراءة الفعليّة لتداعيات الفيروس، لا قراءة مصير النظام الدوليّ والتبدّلات الجيوسياسيّة. كذلك، من ليس بإمكانه التكيّف مع الواقع الجديد سنة 2020 فسيصبح "مهمّشاً" ومن كان يعمل من منزله ليوم واحد أسبوعيّاً فسيعمل لأربعة. والاستشارات الطبّيّة نفسها ستنتقل أكثر إلى عالم الإنترنت وفقاً لرأيه.


فرص جديدة للأفراد

ستدفع هذه التطوّرات شركات الإنترنت إلى تحديث المزيد من التطبيقات والبرمجيّات السريعة في المستقبل. مع تطوّر الشبكة العنكبوتيّة، راج تعبير "الواقع الافتراضيّ" “Virtual reality” لتوصيف العالم المتداخل الذي يجمع أشخاصاً عدّة عبر تلك الشبكة في زمن واحد. كذلك، راج مفهوم "الواقع المعزّز" أو “Augmented reality” الذي تقوم التكنولوجيا من خلاله بنقل العالم الواقعيّ إلى المتلقّي لكن عبر تعديله بشبكة تراكميّة من المعلومات الرقميّة. لاقى العالمان ذروة تطبيقهما في الألعاب الإلكترونيّة، مع وجود أمثلة محدودة في نطاقات أخرى مثل سوق الأسهم. يبقى الاستثمار أكثر في هذين العالمين رهن اندماج عالم الأعمال أكثر فأكثر بالشبكة العنكبوتيّة. بالمقابل، سيشجّع هذا الاستثمار المزيد من روّاد الأعمال على الانخراط في هذا العالم.



بالحديث عن الريادة والمبادرة في عالم الأعمال، سيوفّر شكل العمل الجديد في عالم ما بعد "كورونا" المزيد من الفرص لتعلّم واكتساب المهارات أمام المتدرّبين أو الموظّفين الذين يسعون إلى إدارة عمل حرّ بعد وظيفتهم يؤمّن لهم مدخولاً ثانياً. فالتعليم عن بعد لن يُحصر بالتلاميذ أو الطلّاب الجامعيّين خلال الأزمات فقط، إنّما سيتحوّل إلى أداة للتطوير الذاتيّ عبر اكتساب المزيد من المعارف المجّانيّة أو شبه المجّانيّة التي تؤمّنها الشبكة العنكبوتيّة. هذه الفرص الكثيرة التي توزّعها الشبكة ليست جديدة. لكنّ "كوفيد-19" أمّن لها البيئة المناسبة كي تتسارع وحتى كي تتمّ الإضاءة عليها أكثر. وفي جميع الأحوال، لن يكون الانتقال إلى هذا العالم الجديد سهلاً بالمطلق.


المرحلة الانتقاليّة والاستعداد للتغيير

الاختصاصيّة في الإرشاد النفسيّ ومؤلّفة كتاب "جميع الأرواح في الآلة: الآخرة الرقميّة لبياناتك الشخصيّة" إيلاين كاسكيت، كتبت ملاحظة دقيقة عن أنّ الخبراء "التكنوفوبيّين" الذين كانوا قبل الوباء ينصحون الناس بالابتعاد عن العالم الافتراضيّ، أصبحوا بين ليلة وضحاها "تكنوفيليّين" ويروّجون له. لا تمانع كاسكيت أن تجرى العلاجات النفسيّة على الإنترنت مشيرة إلى أنّه لو كانت هذه الوسيلة متوفّرة في فيينّا في القرن العشرين، لربّما وافق عليها سيغموند فرويد. وأكّدت أنّ عدم إمكانيّة التواصل براحة على شبكة الإنترنت يعود إلى الشخص نفسه لا إلى حواجز أخرى. وفيما انتقدت أحلام البعض بالعودة إلى "جنّة عدن ما قبل العصر الرقميّ"، فضّلت عبارة "التباعد المادّي" على "التباعد الاجتماعيّ" لأنّ بإمكان الإنسان أن يكون متواصلاً مع المجتمع عبر الإنترنت.

يضع "كوفيد-19" العديد من الأعمال والشركات أمام ضرورة الانتقال أكثر إلى العالم الرقميّ. ثمّة عقبات أمام هذا الانتقال، لكنّها ليست عصيّة على التذليل. فبوجود جائحة عالميّة أو بغيابها، لا يعني دخول العالم الرقميّ ترفاً اقتصاديّاً متروكاً للنخبة، كما لا يعني أيضاً التخلّي عن العالم التقليديّ أو المادّيّ. أوضح العدد 19 من مجلّة "بيزنس هارفارد ريفيو" (2019) العلاقة الوثيقة بين العالمين:

أدركت "غاليري لافاييت" إيجابيّات كلا النموذجين، فالمتاجر التقليديّة تساعد على بناء علاقة عاطفيّة مع الزبون، بينما الخدمة الرقميّة وبالأخص الذكاء الاصطناعيّ يساعدان في فهم أفضل لحاجات الزبائن. وهنالك شركات ألبسة كانت أصلاً رقميّة لكنّها باتت تستخدم متاجر تقليديّة كي تسمح للزبون بتجريب الملابس. والأمر نفسه انطبق على وكالات سفريّات اكتشفت أنّ العديد من الزبائن أرادوا وضع خطط سفرهم رقميّاً لكنّهم أرادوا أيضاً التفاعل مع موظّفين للاستفسار عن رحلاتهم المعقّدة. وحثّت المجلّة الشركات على عدم تأجيل البحث في التحوّل الرقميّ حتى تتوفّر لهم الموارد الماليّة لإحداث تغيير شامل في هذا المضمار، لأنّ تغييراً شاملاً هو أصلاً خطر على مستقبل الشركة. فالمطلوب تغيير تدريجيّ متزايد يتيحه اغتنام التكنولوجيا.

بالتالي، ما قد يبيّنه "كوفيد-19" في نهاية المطاف هو كونه فرصة مثاليّة لكثر كي يخطوا هذه الخطوة. فالنقاش المقبل لن يخاض حول أفضليّة أيّ من العالمين على الآخر لكن حول أفضليّة الاستفادة القصوى من كليهما.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم