الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

صحة نفسية- كورونا يجمّد عاداتنا ويزيد وطأة الموت أسى

المصدر: "النهار"
كارين اليان
كارين اليان
صحة نفسية- كورونا يجمّد عاداتنا ويزيد وطأة الموت أسى
صحة نفسية- كورونا يجمّد عاداتنا ويزيد وطأة الموت أسى
A+ A-

تغييرات لا تعد ولا تحصى أحدثها وجود فيروس كورونا المستجد في عالمنا وفي نمط حياتنا وعاداتنا. ومهما حاولنا تقبل هذا الواقع الذي قد يكون له بعض النواحي الإيجابية إنما تتغلب كما يبدو واضحاً آثاره السلبية الناتجة من التغيير الجذري الذي احدثه في حياتنا بشكل يصعب تقبله.

أبرز ما شهدناه طال مراسم الدفن والعزاء التي تقام عند حصول حالة وفاة. ففي مجتمعاتنا، يبدو العزاء ومراسم الدفن والعادات المرافقة من الواجبات التي يقوم بها أهل الميت لإكرامه، كما أن واجب العزاء هو الطريقة التي يلجأ إليها المحبّون في وقوفهم إلى جانب أهل الفقيد ومساندتهم في مصابهم، فأتى فيروس كورونا ليشكل عبئاً إضافياً في هذه الناحية يزيد من وطأة الأحزان ويخلق مشاعر متضاربة ما بين الحزن والألم والشعور بالعجز والتقصير حيال المتوفي.

عندما توفيت والدة السيدة منال الربيعي قبل 3 أسابيع، يؤلمها بشكل خاص أن العزاء لم يتم كما جرت العادة بل اقتصر الحضور على المقربين جداً فيما اتخذت إجراءات وقائية صارمة جداً. "يؤسفني أننا لم نستطع إقامة مراسم دفن وعزاء كما جرت العادة. فتعليمات مجالس العزاء صارمة بهذا الخصوص وثمة تشدد. وفي كل الحالات، كنا حريصين على الحفاظ على سلامة الجميع ومنع مواجهة أي كان الخطر. كان كل شيء مختصراً وحتى المجالس التي يقام فيها العزاء حريصة على ذلك وتلزم بعدد محدد لدى إقامة الدفن. اقتصر الحضور لذلك على أفراد العائلة الصغيرة مع إجراءات وقائية مشددة، وكان على كل من دخل المنزل من افراد العائلة وضع كمامة وقفازات واستخدام السائل المعقم وقد أمناها للكل".

تؤكد الربيعي أنه "رغم الأسى، تبقى الأهم سلامة الكل، وكان الحل في الاتصال لتقديم واجب العزاء عبر الهاتف، فما من حل آخر في هذه المرحلة لمواساتهم والتعبير عن محبتهم لهم ومساندتهم. "لكن الشق الثاني هو أصعب بعد لعجزنا عن القيام بالواجب تجاه والدتنا ونحن نراهن حالياً على انتهاء هذه الفترة الصعبة لنعود ونقوم بهذا الواجب تجاهها. مهما حصل وأياً كان الوضع الحزن لا يزول بل بالنسبة لي هو يأتي على البارد ويزيد مع الوقت أياً كانت الظروف وسيبقى الحزن على فقدان الوالدة في قلوبنا".

صحيح أن التغيير لم يقتصر على هذه الناحية في حياتنا، لكن الأصعب أن فقدان شخص عزيز يحصل فجأة وقسراً ويشعرنا بالعجز، فكيف بالأحرى إذا كان من غير الممكن إقامة المراسم اللازمة لإكرام المتوفي. ويزيد الوضع سوءاً إذا كان من غير الممكن استقبال المحبين في قيامهم بواجب التعزية والعمل على التخفيف من الأحزان بقدر الإمكان ولو في الأيام الأولى حيث تكون في أوجها؟

أيضاً، التجربة كانت قاسية جداً على السيدة غادة اغناطيوس أبو سليمان وعائلتها على أثر وفاة عمة زوجها التي تعيش معهم في المنزل وتصفها بأنها بمثابة أم لها. فعندما توفيت قبل أسبوع، كان الشعور بالعجز هو الغالب ما يزيد من صعوبة ما حصل عليهم. فتقول أبو سليمان بغصة وصوت مرتجف "أكثر ما يؤلمنا اليوم هو أننا لم نستطع أن نكرمها في مماتها بالشكل الذي نتمناه. ففي الأوضاع الطبيعية لكنا دعينا الأخويات وأقمنا مراسم دفن وعزاء لائق، أما في هذه الظروف فكأننا نشحد الرحمة. لم نستطع إلا أن نقيم قداساً بسيطاً بحضورة محدود جداً اقتصر على 7 أشخاص لا أكثر بناء على تعليمات الكاهن. كان ذلك قاسياً علينا لشعورنا باننا لم نستطع أن نكرمها بالشكل اللازم وكما نتمنى".

في مواجهة الموت بوجود كورونا... أزمة نفسية لا يستهان فيه

تميّز الاختصاصية في المعالجة النفسية جيزال نادر ما بين حالات الوفاة العادية في مرحلة كورونا وتلك التي تتعلق بالمصابين بالفيروس. فإذا كان الشخص مصاباً بالفيروس وتتدهور حالته قد يعرف هنا أنه يواجه الموت وكذلك بالنسبة للمحيطين، فلذلك سلبيات وإيجابيات وأهم السلبيات الخوف من الموت والقلق من عدم لقاء الأشخاص الذين يحبهم. تضاف إلى ذلك الوحدة التي تزيد الوضع سوءاً.

وتضيف "أما الموت غير المفاجئ في ظروف مماثلة فمن إيجابياته التحضر للموت من الناحية الدينية والاستعداد للتوبة والندم على الاخطاء والمصالحة مع أشحاص اختلف معهم. لكن لا يمكن أن ننكر صعوبة الوحدة لأن كل شخص في مواجهة الموت يتمنى وجود محبيه إلى جانبه لوداعهم وليشعر بالارتياح. هذا صعب جداً ولا يمكن الاستهانة به".

من جهة أخرى، تشير نادر إلى المحيطين فالمرحلة ايضاً في غاية الصعوبة وتخلق أزمة نفسية لهم لعدم القدرة على الوجود مع الشخص من جهة إذا كان مصاباً بكورونا. وفي مثل هذه الظروف من المتوقع أن تطور مرحلة الحداد أكثر بعد لدى هؤلاء الأشخاص.

أما بالنسبة إلى العادات الاجتماعية المرافقة للوفاة بشكل عام، فترى نادر إلى أن لها وجوداً بارزاً في مجمعاتنا الشرقية وليس سهلاً التخلي عنها فجأة، خصوصاً أنها تشكل مواساة لأهل الفقيد ولها دور مهم في ذلك. "وجود المحبين إلى جانب أهل الفقيد لها أهمية كبرى وتخفف من وطأة الصدمة ومن حدة الأحزان في فترة العزاء، خصوصاً أن الفرصة تسنح للتعبير سواء بالكلام أو البكاء بوجود المحبين في فترة العزاء ثم في الزيارات التي تليها فيتخطى مرحلة الصدمة والنكران بسهولة كبرى وصولاً إلى مرحلة الاقتناع والغضب وتقبّل الواقع. فعدم وجود هذه العادات التي لها حيز مهم في حياتنا، له تداعيات كثيرة من الناحية النفسية سواء لجهة فكرة عدم إقامة دفن لائق بشكل يتم فيه إكرام الميت، بحسب ما يفكر أهله في مثل هذه الظروف او عدم حصول العزاء خلال أيام عدة يحصل فيها المحبون على المواساة. هذا ما يزيد من صعوبة هذا الواقع على أهل الفقيد والقدرة على تقبله بحيث تمر مراحل الحداد بصعوبة كبرى، خصوصاً أن الوحدة تزيد من هذه الصعوبة ومن المشاكل النفسية التي يمكن التعرض لها".حلول لتخفيف وطأة الأزمة

في مثل هذه الظروف الصعبة المرافقة لانتشار فيروس كورونا وما يستدعيه ذلك من منع للتجمعات واتخاذ إجراءات وقائية متشددة، تقترح نادر مجموعة من الحلول يمكن أن تساعد في الحد من وطأة الأزمة:

-الحملات النفسية التي يمكن أن تساعد الأشخاص الذين يمرون بتجربة مماثلة من خلال التواصل مع اختصاصيين

-حملات التوعية في وسائل التواصل الاجتماعي

-الدعم النفسي في المستشفيات والمتابعة النفسية في أقسام خاصة للتخفيف من وطأة الضغط النفسي الذي يمر فيه من يخسرون شخصاً عزيزاً في مثل هذه الظروف، لأن هذا قد يكون اشد صعوبة بعد من فيروس كورونا لما قد ينتج عن ذلك من قلق وخوف واكتئاب.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم