اقتراحات برسم الحكومة... حتى لا تحرق البلاد

سمير حمود- رئيس لجنة الرقابة على المصارف

ليس جديداً القول إننا في لبنان نعاني من أزمة ثقة لا يمكن أن تستعاد إلا إذا بدأنا العلاج من الرأس أي الدولة التي يجب أن تثبت أنها جديرة بالثقة. هذه الثقة تبدأ من خلال تنفيذ الدولة لوعودها واحترام تواقيعها وقراراتها بدءاً من معالجة قطاع الكهرباء وصولاً إلى تحصيل كل الضرائب وحماية أملاكها، وانتهاء باستعادة الأموال المنهوبة.

قبل البدء في عرض الاقتراحات التي يمكن أن تساهم في وضع الأمور على السكة، وجب التأكيد أنه لا يعقل أن تمعن الدولة بإفلاس مصرف لبنان والقطاع المصرفي والسيطرة على ودائع الناس بسبب عدم تسديدها ديونها، علماً أنه في حال لم يسدد مصرف لبنان والدولة الأموال العائدة للمصارف، سيترتب عن ذلك خسائر كبيرة تسبّب حتماً بتآكل رساميلها. مع الإشارة إلى أن المصارف لا تفلس من الخسائر الناتجة عن القروض الممنوحة للاقتصاد حتى ولو كان ثمة ديون متعثرة.

طالعتنا الحكومة باقتراحات تعتبرها طريقاً للخلاص، ولكنها في الواقع تهدم البنيان الذي لطالما كان فخراً للبنان على مدى الأعوام المئة الماضية، لذا يهمني إبداء الملاحظات الآتية:

-الأزمة هي في المالية العامة، والحل يبدأ بتوازنها. فصحيح أن حجم الدين العام كبير، إلا أن الضغط على المالية يتأتى من كلفة هذا الدين وليس من حجم الدين. لذا يجب على الحكومة أن تطلب من مصرفها، أي مصرف لبنان، أن يبتكر حلاً يحدد خدمة الدين بما يتناسب مع توازن موازنة الدولة، بما يحتم عليه معالجة الأمر مع المصارف.

- فقط عند توازن المالية العامة وتوقف الدولة عن الاستدانة، تبدأ مرحلة إعادة الثقة بالدولة، وتبدأ معها مرحلة معالجة الدين العام، بحيث يشعر كل مواطن وكل مؤسسة أن الدولة احترمت تواقيعها وسمعتها ومصلحة مؤسساتها النقدية والمصرفية والاقتصادية، بدل أن تمعن في الإساءة إلى مصرفها المركزي وحاكمية المصرف وجهازها المصرفي بحجة النهوض بالاقتصاد.

- حين عودة التوازن إلى المالية العامة، تطلب الحكومة من المصرف المركزي إعادة هيكلة القطاع من خلال قوانين تحدد السقف الأدنى لرأسمال المصرف وعدد المساهمين، وطريقة الحوكمة، ومصادر الرأسمال، مع ضرورة إنشاء مصرف خاص لإدارة وشراء القروض المتعثرة على ألا يقل رأسماله عن 1500 مليار ليرة أو أكثر، وأن يكون ربع الرأسمال بالدولار وبأموال واردة من الخارج، مع ضرورة فصل الإدارة عن مجلس الإدارة وتنظيم العمل المصرفي ليصبّ في مصلحة الاقتصاد المنتج غير المضارب... الخ.

-تتعهد الدولة سداد ديونها من خلال إعادة جدولة المستحق وغير المستحق لآجال تتناسب مع موازناتها، في موازاة جرد موجوداتها العقارية والمادية وغير المادية وإعداد ميزانية عمومية سنوية مدققة، وتروِّج لاستثمار موجوداتها خدمةً لموازنتها ولآجال طويلة، دون بيع أي منها، مع أهمية أن تخصص عائداتها لسداد الدين، علماً أن جدولة الدين بفوائد ميسرة ولآجال طويلة هو بحد ذاته مساهمة في إطفاء الدين من دون المسّ بودائع الناس، وفي الوقت عينه مساهمة من المودعين المحبوسة ودائعهم في معالجة الدين.

أما كل ما يحكى عن حماية صغار المودعين لا معنى له، إذ إن النظام المصرفي لا تتم حمايته بالمفرق ولا بالكلام الشعبوي الفارغ. فالأثرياء ليسوا لصوصاً، ومصادر أموالهم معروفة، والمودعون في لبنان هم أبناؤنا ومنهم المغتربون الذين تغنينا بهم واعتبرناهم الجناح غير المقيم الذي بدونهم لا يحلق لبنان.

-الودائع الآن "محبوسة"، وكل ما يصدر في إطار تنظيم دفعها أو دفع الجديد منها هو غير قانوني، والأمر يتطلب قانوناً ينظم تحريرها ضمن برنامج واضح. وأي برنامج لن يكتب له النجاح، إلا إذا انتظم ميزان المدفوعات، وهذا الأمر غير ممكن إلا إذا استعادت الدولة ومؤسساتها ثقة الخارج، وهذا الامر غير ممكن إلا إذا توقفت الدولة عن الترويج لسرقة أموال المودعين.

وختاماً، لا بد من النظر بعين الرعاية إلى الاقتصاد ودعم الإنتاج والنمو ومحاربة البطالة.

ومن دون كل ما تقدم... أرى النيران تحرق البلاد لا سمح الله.

رئبس لجنة الرقابة على المصارف