رسالة مقتضبة جدًّا إلى سمير فرنجيّة

في الحادي عشر من نيسان، قبل ثلاثة أعوام، ذهبتَ إلى ديمومة المكان الدائم.

"يسعدني" أنّكَ – الآن - لستَ هنا.

من المخجل حقًّا أنْ أقول ذلك.

علمًا أنّ وجعي لا يوصف من هذا الجرّاء. من جرّاء أنّكَ لستَ هنا.

وبعد.

كان ينبغي لي أنْ أنتظر حلول المساء، لأكتب إليك.

لا أعرف ما الذي حال بيني وبين التواصل معكَ منذ الصباح المبكر.

لا أريد أنْ أعرف.

كلّ ما أعرفه، أنّنا لسنا بخير.

لا. لسنا بخير.

العالم يرتجف أمام الوباء المستجدّ. ونحن نرتجف.

مرّةً أخرى، يكتشف الإنسان أنّه حشرة. أنّه لا شيء.

أنظر هذا الخلل العابر في توازنات النظام الكونيّ، كيف من شأنه أنْ يركّع العالم كلّه ارتجافًا، وضعفًا، وقلّة حيلة؟!

من أقصاه إلى أدناه، العالم يرتجف، يا سمير، وأنا "سعيدٌ" – الآن – لأنّكَ لستَ بيننا.

غير أنّ هذا العطب الكونيّ المريع، لن يكون هو العطب الحقيقيّ.

فهذه المسألة، على خطورتها، ليست هي المسألة.

العالم كلّه يتخلّى عن المعنى. من أجل خساسة البزنس. ومن أجل الوضاعة. عارضًا للبيع ذاكرته الأخلاقيّة. فيا لهول ما نحن فيه!

وإذا كان العالم يتخلّى عن ذاكرته الأخلاقيّة، فإنّ الرعب الجوهريّ اللبنانيّ يطلّ برأسه، من مكانٍ ليس ثمّة تحته من قعر.

هذا الرعب يطلّ من المكان الذي هو قعر القعر.

من المكان الذي تُسرَق فيه حياتُنا، بتؤدة، ورباطة جأش، وبرودة أعصاب.

من المكان الذي تُفترَس فيه أحلامنا، على أيدي زبانية الجحيم، وتُضرَّج قيمُنا، وتُمرَّغ بالتراب معاييرنا وكراماتنا وحرّياتنا.

لا. لبنان، ليس بخير. ردًّا على سؤالٍ لكَ. ولا المواطنون بخير. ولا السياسة – بالطبع - بخير.

السياسيّون، حكّامنا، تحت لحظة الوباء المستجدّ، وبذريعته، يواصلون أكل لحمنا الحيّ، بعدما أكلوا أخضر لبنان ويابسه.

وهم يفعلون ذلك، لا جوعًا، بل بطرًا. بل دناءةً وخسّةً. بل انتقامًا.

وهذا لأنّنا أحرار.

وهذا لأنّنا زعزعنا الأرض تحت أقدامهم، قبل أشهرٍ قليلة.

وهذا، خصوصًا، لأنّنا – لا مفرّ، ولا محالة – سنعاود الكرّة، في القريب، عاجلًا أم آجلًا.

وسنعود نزعزع الأرض تحت أقدامهم.

لا مفرّ، يا سمير، ولا محالة.

لكنّهم – يا للمفارقة المعيبة - لا يتراجعون. بل يواصلون حفر القعر وصولًا إلى ما تحت القعر.

وهم لا يتورّعون عن أيّ شيء.

يقولون دائمًا – لا عجب - إنّها تمطر، في حين أنّك تعلم، والجميع يعلم، أنّ هذا ليس مطرًا على الإطلاق.

هذا ليس مطرًا على الإطلاق، يا سمير.

وإذ أبعث إليكَ هذه الرسالة المقتضبة، على مسافة ثلاثة أعوامٍ غيابًا، أو، بالأحرى، تغيّبًا، يهمّني، على العموم، أنْ أبدي ذهولي الشخصيّ حيال رسوخ اقتناعاتكَ التغييريّة العنيدة، كما ذهولي حيال قابليّتها المطواعة للتلاؤم مع المعطيات الموضوعيّة المستجدّة.

وإذا كانت ثقتكَ بالمستقبل الوطنيّ لا تُجارى، فإنّنا نحن من جهتنا سنظلّ محكومين بالأمل.

هذا قَدَرُنا، يا سمير، على رغم كلّ شيء.

إنّنا – لا مفرّ ولا محالة - محكومون بالأمل، وسنظلّ محكومين بهذا الأمل، على رغم أنّ لبنان ليس - الآن - بخير، ولا نحن – الآن - بخير.

والسلام.

Akl.awit@annahar.com.lb