كيف أمضيتُ قبل ظهر هذا اليوم الأربعاء؟

استيقظتُ على دفعتين، الأولى في نحو الخامسة صباحًا. قرأتُ الرسائل المتأخّرة. اطّلعتُ على آخر المستجدّات المتعلّقة بالوباء المستجدّ، هنا وفي أنحاء المعمورة. تصفّحتُ أحوال العالم "الحديث". وخصوصًا منها ترّهات دونالد ترامب، وتساقط عمارة الذاكرة الأخلاقيّة.

ثمّ غفوتُ قليلًا. نصف ساعة في الأكثر.

ثمّ استيقظتُ للمرّة الثانية، في نحو السابعة. السابعة والنصف.

اهتممتُ بترويقة كوبر. وبنزهته. هذه كانت المهمّة الملحّة.

حضّرتُ الركوة الأولى تحضيرًا طقوسيًّا متأنّيًا. جلستُ. سكبتُ الفنجان الأوّل. والتقطتُ صورة الصباح: ركوة القهوة، فنجان الشفة، على صينيّة نحاسٍ مشغولةٍ ومطروقةٍ طَرْقًا فنّيًا، كنتُ اشتريتُها في آخر الثمانينات من سوق بغداد القديم. في خلفيّة الصورة الملتقطة، لوحةٌ للفنّان العلّامة الملفان محمود الزيباوي، تمثّل وجوهًا ثلاثة، أيقونيّة الطابع، على مسحةٍ تراجيديّةٍ تلائم الوضع الراهن، وفق ملاحظةٍ نورانيّةٍ لافتةٍ للسيّدة الصديقة شاديا تويني.

حضّرتُ الركوة الثانية. تلقّيتُ اتّصالًا هاتفيًّا من "نقيب الثورة" ملحم خلف. ثمّ اتّصالاتٍ أخويّةً وعائليّة. فاتّصالًا من الزيباوي. فآخر من عبده وازن. من علويّة صبح. ومن سليمان بختي، وهذا الأخير شاكرًا لـ"النهار" نشرها، يوم أمس، مقالًا اقتصاديًّا بالغ الأهميّة للدكتور سمير المقدسي.

ثمّ أعددتُ طعام الفطور لوليّ العهد. ثمّ نهضتُ إلى أشغالي.

عطفًا على معلوماتٍ سابقة، ولضروراتٍ - وقائيّةٍ وتقشّفيّةٍ على السواء - كنتُ طلبتُ من السيّدة التي تساعدني في أعمال المنزل، أنْ تقبل اعتذاري عن عدم استقبالها خلال الأسابيع الراهنة.

ولأنّي مهووسٌ بمسألة النظافة، بصرف النظر عن الوباء المستجدّ، كان ينبغي لي أنْ أواظب على ترتيب البيت، بما يليق بكلّ بيتٍ أنْ يكون عليه.

هكذا وجدتُني أكنس الأرض، أرض المدخل، غرفة الاستقبال، غرفة الطعام، المطبخ، الأروقة، والغرف الأخرى، قبل أنْ أُعمِل في هذه الأمكنة كلّها، ممسحة التنظيف المغرّقة بالديتول وبموادّ التنظيف الأخرى.

ليل أمس، كنتُ جمعتُ ثياب الغسيل، وشغّلتُ الغسّالة، ونشرتُ الثياب، تحضيرًا لكيّها. وهكذا كان.

ثم جلستُ – خارج كلّ وقتٍ - في نحو الساعة الحادية عشرة، على سبيل الاستراحة المتخفّفة من أعباء الشرط البشريّ الأهوج. عشر دقائق، لا أكثر، ملأى بالّلاشيء، بالانسياب، بالتفلّت من العقل، من الحواسّ. ومن كلّ شيء.

ثمّ جلستُ وراء هذه الشاشة الكاتبة.

لقد أحسستُ، وأنا أتطفّل على القارئات والقرّاء بهذا السرد، الذي قد لا يهمّ أحدًا، وفي غمرة الهموم القصوى، المستولية على الناس؛ أحسستُ حقًّا، بشيءٍ من السلام، بشيءٍ من المصالحة، وبشيءٍ من الغبطة المتواضعة الخفيّة. قلتُ إنّ العالم – هذا العالم المهدَّد في مفاهيمه ومعادلاته، بل في وجوده وكينونته ومصيره - يمكن أنْ يظلّ يكون بألف خير، بألف خير، على رغم ما يعتريه من مآسٍ وكوارث وفواجع ووحشيّاتٍ متنوّعة، كثيرُها من صنع الغباء – العماء الإنسانيّ الغاشم، وقليلُها "غضبٌ" ليس في مقدوري أنْ أجد له تفسيرًا عقلانيًّا متماسكًا.

اللوحة المرفقة بالمقال من اختيار جمانة حدّاد.

سأعاود الاتصال مرّةً ثانيةً ببول شاوول، في وقتٍ لاحقٍ من هذا النهار. وكان قد مضى وقتٌ لم أتّصل به. سأفعل الشيء ذاته مساءً لسؤال خاطر شوقي أبي شقرا.

الناس المنهمّون بالوجع العموميّ والفرديّ، الجماعيّ والشخصيّ، أنضمّ إليهم الآن، في هذه اللحظة بالذات، وأنا أختم مقالي هذا، منصتًا - لا إلى قباحات السياسيّين وحثالات الانتهازيّين من كلّ حدبٍ وصوب – بل إلى الموسيقى المسموعة بالقلب، التي تغلب اليأس. والموت. والتي ستدحرج الحجر، لتتغلّب على كلّ يأسٍ. وعلى كلّ موت.

Akl.awit@annahar.com.lb