الأربعاء - 24 نيسان 2024

إعلان

وباء 1919 هزم ويلسون رئاسياً... هل يهزم كوفيد 2019 ترامب؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
وباء 1919 هزم ويلسون رئاسياً... هل يهزم كوفيد 2019 ترامب؟
وباء 1919 هزم ويلسون رئاسياً... هل يهزم كوفيد 2019 ترامب؟
A+ A-

الأرقام بين الأمس واليوم

حصدت الأولى حوالي 675 ألف ضحيّة أميركيّة فيما حصدت الثانية أكثر من 10 آلاف، علماً أنّ الثانية لم تنتهِ. كذلك، ثمّة توقّعات أميركيّة باحتمال أن يصل العدد إلى ما بين 100 ألف و 240 ألف وفاة. إذا صحّت التوقّعات فهذا يعني أنّ نسبة الضحايا ستكون هي نفسها بين الأمس واليوم، إذ كان عدد سكّان الولايات المتّحدة حوالي 100 مليون سنة 1920 وهي 330 مليون حاليّاً.

وأصيب بالإنفلونزا حينها حوالي 500 مليون شخص أي نحو ثلث سكّان العالم، فيما توفّي حوالي 50 مليوناً، أي ما معدّله 10% كنسبة وفاة وهي أعلى بكثير من نسبة الوفيات بفيروس "كورونا" اليوم (حوالي 5.4%).

لكن منذ مئة عام، لم يكن هنالك تطوّر إعلاميّ تقنيّ يسمح بمعرفة انتشار الوباء لحظة تفشّيه وبالتالي تأمين فترة معقولة للاستعداد. ومن الأمور المفارقة أنّ نتائج انتخابات 1920 أذيعت للمرّة الأولى عبر الراديو. والفارق بين التطوّر الطبّيّ حينها وذاك السائد اليوم قد يجعل الأميركيّين أيضاً أقلّ تساهلاً مع ترامب خصوصاً بالنسبة إلى الناخبين الذين يريدون المقارنة مع ما حصل منذ قرن.


تشابه انتخابيّ

في 1920، خسر الديموقراطيّون السباق الانتخابيّ بفارق شاسع. لم يكن الرئيس الأميركيّ الديموقراطيّ وودرو ويلسون خارجاً من معركة ضدّ "الإنفلونزا الإسبانيّة" وحسب، بل ضدّ تداعيات الحرب العالميّة الأولى. في تلك السنة أيضاً، بدأت بوادر الانكماش الاقتصاديّ تلوح في الأفق. كان المرشّح الديموقراطيّ حينها جايمس كوكس. لكنّ الانتخابات تحوّلت إلى استفتاء حول رؤية ويلسون. خسر كوكس بفارق كبير أمام المرشّح الجمهوريّ وورن هاردينغ الذي حصل على 60% من أصوات الشعب.

بحسب البروفسور المشارك في جامعة "روزفلت" دايفد فارس هنالك تشابه كبير بين العمليّتين الانتخابيّتين. وذكر في مجلّة "ذا ويك" ثلاثة متغيّرات أساسيّة تحدّد مجرى النتائج بحسب بعض الدراسات، وهي كانت موجودة في حينه ولا تزال: التباطؤ الاقتصاديّ الحادّ في الربع الثاني من العام الانتخابيّ، وجود رئيس أميركيّ غير شعبيّ، وتطبيق إجراءات مؤلمة للخروج من تداعيات الأزمة. وأضاف أنّ ويلسون كان الديموقراطيّ الوحيد الذي وصل إلى البيت الأبيض بين 1865 و 1929، وكذلك خسر الجمهوريّين جميع أرقام التصويت الشعبيّ (لا المجمع الانتخابي) بين 1992 و 2016 ما عدا 2004. بعبارة أخرى، كان فوز الديموقراطيّين في تلك الحقبة والجمهوريّين في الحقبة الأحدث استثناء بالنسبة إلى الجوّ الانتخابيّ العام في كلتا المرحلتين.


بين الشكوك والارتياح النسبي

ما يثير المزيد من الشكوك في دوائر الإدارة الحاليّة عدم وجود مسار محدّد لتطوّر الفيروس. لا يقتصر ذلك على غياب العلاج أو اللقاح فقط.  ثمّة خوف أيضاً من إمكانيّة معاودة "كورونا" تفشّيه بعد الصيف – هذا إن كان سيتقلّص فعلاً مع ارتفاع الحرارة. فمنذ حوالي مئة عام، انتشرت الإنفلونزا الإسبانيّة على شكل ثلاث موجات: ربيع 1918، خريف 1918 وشتاء-ربيع 1919. معنى ذلك أنّ معاودة ظهور "كوفيد-19" في خريف هذه السنة ستكون خبراً سيّئاً جدّاً لترامب. بعبارة أخرى، تمتّع ويلسون بوقت مقبول بعد ربيع 2019 كي يتّخذ بعض الإجراءات لتخفيف حدّة الآثار الإنفلونزا السلبيّة، وهذا ما قد لا يتوفّر للرئيس الحاليّ في الخريف المقبل.

إلى اليوم، لا يزال ترامب يحافظ على شعبيّة مرتفعة نسبيّاً. في وقت توقّع البعض أن تتلقّى شعبيّته ضربة قويّة بفعل الفيروس، يتمتّع الرئيس الأميركيّ بتأييد لأدائه وهو يكاد يكون الأعلى طوال ولايته. لكن إذا كان هذا الأمر يعود إلى تجمّع الأميركيّين إلى حدّ ما خلف رئيسهم بسبب الأزمة، فالأمر قد لا يطول في حال تدهور الأوضاع أكثر. في هذه الأثناء، يستنتج بعض الباحثين تشابهات أخرى مع ما حصل منذ حوالي مئة سنة. فانتخاب ترامب كما انتخاب هاردينغ شكّل بداية انتصار الفكر المحافظ والعزلة على الفكر التقدّمي والمنفتح على العولمة وفقاً لأستاذ التاريخ في جامعة القديس بونافانتور فيليب پاين.


سلاحٌ بيد ترامب؟

قارن أستاذ التاريخ بين حقبتين لجهة صعود الانعزاليّة وشعار هاردينغ ب "العودة إلى الحياة الطبيعيّة" في مواجهة الويلسونيّة الدوليّة" وبالتوازي مع شعار "أميركا أوّلاً" و "اجعلوا أميركا عظيمة مجدّداً" لترامب. وفي العقدين الأوّلين من القرن العشرين، كانت الولايات المتّحدة تعاني من هجرة واسعة إلى أراضيها بسبب نموّها الصناعيّ، ممّا خلق توتّرات عرقيّة ورهاباً من الأجانب. وحتى هاردينغ لم يكن يتمتّع بحظوظ كبيرة للفوز بحسب المراقبين في حينه، لكنّه حقّق نجاحه بسبب شعاراته.

تحليل پاين يقود القارئ إلى العنصر الذي لم يذكره فارس في مقاله. فالشعارات التي خاض ترامب على أساسها حملته سنة 2016 قد تصبح أكثر صدقيّة، تحديداً بعد "كورونا". يمكن أن يركّز ترامب على سلبيّات العولمة والحدود المفتوحة مؤكّداً دورها في تسريع انتشار الفيروس. وإذا كان الرئيس الأميركيّ قد قلّل من خطورة الوباء في المرحلة الأولى، فإنّه يستطيع أن يترشّح بناء على أنّه أوّل رئيس أميركيّ يواجه الصين لا كدولة تمارس التجارة مع بلاده على "قواعد غير منصفة" وحسب، بل أيضاً على قاعدة أنّها "المتسبّب الأوّل" بانتشار الفيروس.

ويصعب ألّا يكون تعبير "فيروس ووهان" الذي يستخدمه ترامب في خطابه عبارة عن حملة انتخابيّة ضمنيّة لإلقاء اللوم على الصين. عمليّاً، ما سيركّز عليه ترامب هو أنّ جميع وعوده الانتخابيّة سنة 2016 أثبتت صوابيّتها أكثر في 2020. سألت "النهار" پاين وفارس عن رؤيتيهما إلى إمكانيّة استفادة ترامب من تحميله العولمة والصين مسؤوليّة تفشّي الفيروس واستخدام ذلك كسلاح في حملته الانتخابيّة المقبلة.

أجاب پاين بأنّه في ذلك الزمن، عاش الأميركيّون في عالم كان تفشّي الأمراض أمراً اعتياديّاً أكثر من اليوم، كما كان للناخبين توقّعات أقلّ بشأن قدرة الحكومة الفيديراليّة على مواجهة الكوارث.

لكنّ پاين أضاف: "لم نعد نعيش في ذلك العالم اليوم. هذه بشكل شبه مؤكّد أنباء سيّئة سياسيّاً للرئيس ترامب إلّا إذا تمكّن من تحويل هذا الأمر إلى حرب ثقافيّة – والتي ستؤكّد مخاطر الأجانب والحاجة إلى إغلاق الحدود."

"لغاية اليوم، لم ينتج هذا التكتيك أكثر من إبقاء القاعدة معه. سيكون من المثير للاهتمام رؤية ما الذي سيحصل حين ينتشر الفيروس إلى أنحاء البلاد التي دعمته."

من جهته، يعتقد فارس أنّ "كوفيد-19 يعطي ترامب الفرصة للتشديد على خطابه المناهض للعولمة، خصوصاً إزاء الصين. وأشار في جوابه على سؤال "النهار" إلى وجود أسئلة حقيقيّة عن مدى حكمة تحويل صناعة بعض السلع الأساسيّة مثل الأدوية إلى الخارج.

وتابع: "على الرغم من ذلك، إنّ موقفه (الرئيس الأميركيّ) معقّد بفعل أنّ إدارة ترامب وقّعت على المرحلة الأولى من الاتّفاق التجاريّ في كانون الثاني. سيصعّب هذا إعلانه أنّه كان محقّاً طوال الوقت ويجعله غير ملائم أكثر من ذي قبل."

على الرغم من الصعوبات الأكيدة التي سيواجهها ترامب في انتخابات تشرين الثاني بسبب تداعيات "كورونا" على الاقتصاد المحلّيّ، يبقى أنّ المعركة لن تكون محسومة لصالح الديموقراطيّين. فارس نفسه لم يتوقّع أن يكون الانتصار الديموقراطيّ كبيراً كما كان الانتصار الجمهوريّ سنة 1920، ولم يستبعد حتى فوز ترامب. لغاية اليوم، تبدو فرص كلّ من الطرفين شبه متكافئة. لكنّ هذه المعادلة قابلة للتبدّل في أيّ لحظة.

_________________________________________________________________
* (تمّ تحديث التقرير بعد تلقّي "النهار" جوابي پاين وفارس)

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم