(كتبت هذه المقالة على ضوء قراءة في خلفيات وكواليس بعض الإعلام ومنصّات التواصل)مِمّا لا شك فيه أن الإعلاميين بغالبيتهم أحرار، وأصحاب كلمة حرّة، وأصحاب مناقبية، ويمارس معظمهم مهنته بشفافية. وأغلب من يكتبون أو يتحدّثون عبر منصّات التواصل مدفوع بحماسة وصدق ورغبة في مساهمة ما في خدمة المجتمع. ولكن، ماذا لو أن المعلومات التي توضع بين أيدي بعض هؤلاء مُصنَّعة؟ ألا يكون قد تم استغلالهم لحمل رسائل هُم صادقون في نقلها، لكنّ مَن زودهم اياها أو زوّد من زوّدهم اياها عبثَ بالمعلومة؟ هناك من دون شك في مناطق القرار وصناعة الأحداث كواليس لصناعة الإعلام، والترويج، وغسل الأدمغة، وتحضير الأرض الخصبة لزرع الأفكار، والتسبب بيباس الزرع لتدبّ فيه النار هشيماً خلال لحظاتٍ عندما يقررون. وزارات الحروب على أنواعها تعرف أنّ الحروب اقتصاد، والسلاح الأقل كلفة هو الشائعات والإعلام ووسائل التواصل المختلفة. ونستشفّ طرقهم من إعلاميّ متمرّس وحصين في كلامً عن ترويجهم للأفكار: يهمس ملحق إعلامي ما لأحدهِم: أُسرّ لك بأمر لن يعرفه سواك ويضيف المعلومة المطلوب أن يتمّ التسويق لها. أو يهمس لك: ما لا يعرفه الجميع ونحن نعمل عليه هو، ويضيف المعلومة التي يرغب في أن يسوّق. وأحياناً يسألك: هل فعلاً ستكون هناك حرب عالمية ثالثة؟ ماذا تعتقد؟ فتتساءل: لِمَ هذا السؤال؟ وهل المفروض بي أن أعرف أسرار الدّول ومشاريعها الحربية؟ ثمّ يحملك إلى إجابة يمهّد لها ويجرّك إليها فتخرج من لدنه صاحب نظرية وقناعة أنّ الحرب حاصلة لا محالة، وتدافع عن نظريتك (وهي نظريته) بحماس، وتروّج لفكرة الحرب، أو تروّج لفكرة ضد الحرب، وفي الحالين أنت تخدم هدفه. الحاصل اليوم في بعض منصّات التواصل والإعلام ترهيب مستتِر يواكب الحرب التي تخوضها البشرية ضد كوفيد 19 وحلفائه. ففي الكواليس دسّ لفكرة حرب عالمية ثالثة (تحصل خلال عام أو أكثر بقليل). أنا أكتب لأدحض هذه الفكرة، ليس لأنّي أرفض الحرب وأعلن الحرب على كلّ حرب رغبة في السلام العالمي والرفاه والكرامة الإنسانية. وليس لأنّه يجب ألا تكون هناك حروب. إنّما أعتقد أنّ ليس هناك من حرب لأنّ الحرب العالمية الثالثة قد حصلت، ونحن في ذيول لها، اللاعبون في مراحل تقاسم الغنائم، وربما في خلاف على التقاسم. ولن تكون هناك حرب، لأنه ليس هناك مِن راغب في أن يخسر الحرب؛ يعرفون جميعا أنّ أفضل انتصار في الحرب هو أن تربح الحرب دون أن تخوضها. أمر أشار إليه كتاب فن الحرب ومنشأه الصين منذ أكثر من ألفي سنة، وهو كتاب يُدرَس ويُدرَّس في الغرب وكلياته العسكرية وسواها، لذا لن يخوضوا حرباً. وأفترض أنّ الحرب الحقيقية التي علينا أن نخوض على مستوى العالم هي الحرب على الفساد والفاسدين واللاقيم من أجل استعادة الإنسان إلى جوهر إنسانيته، وسلاحنا في ذلك الإرادة واللانفعية وبناء الوعي والتشبث بالقيم. رائحة الخوف تملأ الشوارع والمدن والأزقة وتلوّث الأحياء والحياة وتقتل المناعة، وهناك من يسعى إلى متعة هزيلة سخيفة أو إلى منفعة مريضة عبر الترويج للشائعات، أو عبر تضخيم المعلومات، أو عبر استضافة غير أهل...
ادعم الصحافة المستقلة
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
اشترك في خدمة Premium من "النهار"
ب 6$ فقط
(هذا المقال مخصّص لمشتركي خدمة بريميوم)
إشترك الأن
هل أنت مشترك؟
تسجيل الدخول