من اول نظرة

نورهان البطريق - مصر

كانت الفتيات ينظرن إليه نظرة الفتى الغني الذي يستطيع أن يحقق لهن أحلامهن، بينما هي كانت تطيل النظر إليه لتبحث عن نصفها الآخر، والتى سرعان ما عثرت عليه عندما تطلعت به لأول مرة، فأخذت تتفحصه جيداً وتمعن به النظر، فهي لم تكن تفتش عن وسامة أو جمال،إنما كانت تنبش عما داخله لتؤكد لقلبها أن المدة التى قطعتها في السفر إلى وطنها لم تضع هباء، إنما كانت تستحق كل هذا العناء لكي تصبو إلى الوطن الذي لطالما حلمت أن يضمها، وتسكن في كنفه.

القصر الذي يرمز إلى الحشم والخدم،لم يكن يشغلها الجاه ، ولا يلفتها المال، وإنما كانت تملك له نظرة أبلغ من فخامة القصر بكثير، وأعمق من هيبته وعظمته، فقد كان بالنسبة إليها الجنة التى تتلهف أن تكون حور عين به يوماً ما. وأخذت تدعو الله أن يحقق لها حلمها، ويجمعها بحبيبها حتى وإن دلفت إليه كخادمة، فهي تعلم أنه ما يلبث أن يكتشف جوهرها واختلافها عن الأخريات، لأنها تعي جيداً أن قصرها الحقيقي بقلبه، وأنه على شغف حتى تأتي لتسكنه، فهو خاصتها وحدها... وحدها فحسب.

يينما هو فكانت له نظرته التى تختلف عن بقية الرجال، فهم يعتبرونها امرأة عادية، تملك جمالا متواضعاً، يقتبسون من مفاتنها إلى أن تأتي أخرى تفوقها جمالاً فتجذب أعينهم مدبرين النظر عنها، أما هو فكانت نظرته حقاً نظرة أمير إلى محبوبته، كان يراها امرأة نادرة، يندر وجودها في هذا الزمان، فريدة في حسنها، ومتميزة بجمالها، فلا متسع يمكنه أن يقدّر الأشياء النادرة والثمينة سوى المتاحف للحفاظ عليها، ولا يوجد متحف أجمل من قلب الحبيب للاعتناء بملكته المتوجة بحبه لها.

وحدها نظرة الحبيب التي يمكنها أن تراك بمنظور مختلف عن منظور الآخرين، فالحب ما هو إلا قدر، فهو يشبه اسمك، ليس لك فيه حرية الاختيار، كذلك قلبك فإنك ليس بوصي عليه، فما عليه أن يخفق بين ضلوعك، وما عليك إلا أن تمتثل لهواه. فثمة نبضة لن تشبه مثيلاتها، فإنها تفقد قلبك توازنه، وتقلب موازينه، إلى أن تتفقد تلك العيون التى أحدثت تلك الربكة، فتجد ضالتك، ويعود إليك صوابك مجدداً.