الخميس - 25 نيسان 2024

إعلان

فيروس كورونا... كيف يحفّز الاعتداء على البيئة انتشار الأوبئة؟

المصدر: "النهار"
جورج عيسى
فيروس كورونا... كيف يحفّز الاعتداء على البيئة انتشار الأوبئة؟
فيروس كورونا... كيف يحفّز الاعتداء على البيئة انتشار الأوبئة؟
A+ A-

"المرض أكس"

تحت عنوان "علِمنا أنّ مرض أكس كان مقبلاً. إنّه هنا الآن"، كتب العالم في بيئة الأمراض بيتر داشاك في "نيويورك تايمس" الخميس الماضي كيف أنّه خلال اجتماع لمنظّمة الصحّة العالميّة أوائل 2018، صاغت مجموعة من الخبراء التي ينتمي إليها عبارة "مرض أكس". وأوضح أنّهم كانوا يشيرون إلى الجائحة (pandemic) التالية والتي سيسبّبها عامل مُمرِض جديد ومجهول لمّا ينتشرْ بعد بين السكّان.

وقال حينها إنّ المرض أكس سينتج عن فيروس منشؤه الحيوانات وسيظهر في مكان على هذا الكوكب حيث تقود التنمية الاقتصاديّة إلى التقريب بين الناس والحياة البرّيّة. وسيتمّ الخلط بينه وبين أمراض أخرى في البداية قبل أن ينتشر بسهولة وبسرعة مستغلّاً شكبات السفر والتجارة ويحبط محاولات الاحتواء. وأضاف: "سيهزّ الأسواق الماليّة حتى قبل أن يبلغ حالة الجائحة. باختصار، كوفيد-19 هو المرض أكس."

من جهتها، كتبت عضو لجنة الطوارئ في منظّمة الصحة العالميّة ورئيسة قسم العلوم الفيروسية في المركز الطبّيّ لجامعة إيراسموس في روتردام ماريون كوبمانز في مجلّة "سَل" (الخليّة) أنّه "سواء أتمّ احتواؤه أم لا، يصبح هذا التفشّي أوّل تحدّي جائحة حقيقيّة يناسب تصنيف مرض أكس المدرج في قائمة أولويّات منظّمة الصحّة العالميّة للأمراض التي نحتاج إلى الاستعداد لها في مجتمعنا الحاليّ المعولم."

لماذا باتت الأرقام مقلقة خارج الصين أيضاً؟

لا يعني توقّع "مرض أكس" أنّ منظّمة الصحّة العالميّة كانت تعلم مسبقاً عن "كوفيد-19" إذ إنّ الاسم لا يشير إلى فيروس أو بكتيريا محدّدين بل هو عبارة تُعطى لأيّ مرض غير معلوم يتمتّع بإمكانيّة التحوّل إلى وباء أو جائحة. ولغاية الاثنين، تخطّى عدد المصابين بالفيروس 89800 وعدد الوفيات 3069 شخصاً. وطال المرض حوالي 70 دولة خارج الصين.

بدا خلال الأسبوع الماضي أنّ عدد الإصابات داخل الصين بدأ يستقرّ، حيث كانت نسبة الزيادة في الإصابات تنخفض يوميّاً. لكن قبل الإبلاغ عن انخفاض جديد في عدد الإصابات الاثنين، قالت منظّمة الصحّة العالميّة الأحد إنّ عدد الإصابات في محافظة خوبي ارتفع ليومين على التوالي. وهذا مؤشّر إلى أنّ "الوضع الوبائيّ لم يتمّ احتواؤه بالكامل من قبلنا."

ويبدو أنّ دولاً جديدة أصبحت مركزاً لتفشّي الفيروس بغضّ النظر عمّا يجري في الصين، مثل كوريا الجنوبيّة (أكثر من 4330 حالة و26 وفاة) وإيطاليا (زيادة بنسبة 50% في الإصابات أمس الأحد: 1700 حالة و 41 وفاة) واليابان (944 إصابة و 12 وفاة) وإيران (1500 إصابة و 66 وفاة).

بالفعل، قال المدير العام لمنظّمة الصحّة العالميّة تيدروس أدهانوم غيبريسوس إنّ الحالات الجديدة التي تمّ الإبلاغ عنها الأحد خارج الصين تساوي تسعة أضعاف تلك التي تمّ الإبلاغ عنها داخلها.


ثقافة ونمط عيش البشريّة

شرح داشاك أنّ عدم إيجاد لقاحات لها (مثل "سارس"، و"السيدا" و "زيكا") وعدم وجود رغبة في مرحلة ما بين تفشّي الفيروسات لإنفاق المال على سبل الوقاية وضيق سوق الأبحاث والأدوية لمواجهتها، هي سبب من أسباب عدم النجاح في مواجهة الفيروسات الجديدة. وأضاف أنّ الثقافة البشريّة المتّصلة بشكل متصاعد بالحياة البرّيّة أصبحت مولّدة للأوبئة كما كانت الحال مع "إيبولا" و "سارس" و "كوفيد-19" وغيرها.

احتكاك الإنسان بالحياة البرّيّة – أكان عبر شقّ الطرقات في الغابات أو استئصال المساحات الخضراء أو تجارة الحيوانات وإنتاج وتوزيع وأكل لحومها – يبدو أنّه سيولّد المزيد من الفيروسات في المستقبل. تقدّم الصحافيّة المتخصّصة في الشؤون العلميّة ومؤلّفة كتاب "جائحة: تتبّع العدوى من الكوليرا إلى إيبولا وما بعدهما" أمثلة على ذلك في مجلّة "ذا نايشن".

في أفريقيا الوسطى والغربيّة، أدّى قطع الأشجار التي تعيش عليها الخفافيش إلى دفعها للانتقال كي تعيش في الأشجار القريبة من المنازل والمزارع. يرفع ذلك احتمال أن يأكل الإنسان فاكهة عليها لعاب الخفافيش أو أن يصطادها مباشرة فتنتقل إليه الفيروسات التي تتكيّف مع جسمه فتتحوّل إلى أمراض. كذلك، يساعد نقل حيوانات تعيش أساساً في بيئات مختلفة جدّاً إلى المتاجر على انتقال الفيروسات بين بعضها البعض ممّا يعجّل في تحوّلها إلى كائنات مُمرضة.

وما يوسّع المشكلة أنّ هنالك صعوبة في التمييز بين الحيوانات المدجّنة بشكل قانونيّ أو تلك التي تمّ اصطيادها بشكل غير قانونيّ.

وغالباً ما تطوّر الخفافيش الحاضنة والتي يُرجّح أن تكون قد نقلت "كوفيد-19" إلى الإنسان، جهازاً مناعيّاً صلباً يعزّز بدوره قدرات الفيروسات على القتل أو الانتشار بسرعة أكبر حين تنتقل إلى الجهاز المناعيّ الأضعف لدى الإنسان.


هل الاقتراحات عمليّة؟

بناء على هذه الأسباب، يصبح واجباً على الحكومات اتّخاذ تدابير مراقبة موجّهة نحو المزارع والأسواق الرطبة والبلدات الريفيّة لاكتشاف أيّ حالة مرضيّة استثنائيّة مبكرة وفقاً لما نصح به داشاك. لكنّ إمكانات التغطية هذه محدودة جدّاً حتى بالنسبة إلى دولة ذات قدرات اقتصاديّة ورقابيّة كبيرة كالصين.

فقد أبدى المدير العام ل "مؤسّسة الحفاظ على التنوّع البيولوجيّ والتنمية الخضراء في الصين" جو جينفنغ المؤيّد لحظر الأسواق الرطبة شكّاً في إمكانيّة تطبيقه بفاعليّة، "وهذا ما برهنته الوقائع بوضوح في الماضي".

الرأي نفسه أبدته الباحثة في برنامج العلوم والأمن الدوليّ ومؤلّفة كتب عدّة في مجال الأوبئة لورا كانْ. وذكرت أنّ الصين حاولت في 2003 تقييد الأسواق الرطبة بعد انتشار "سارس" لكنّها فشلت في ذلك فانتشرت السوق السوداء. وأضافت في مجلّة "نشرة علماء الذرّة" أنّ تربية مئات الآلاف من الحيوانات الداجنة في أحياء كثيفة سكّانيّة يجعل مشكلة الميكروبات المحصّنة ضدّ الأدوية أكثر سوءاً.

كذلك، انتقدت خبيرة تقييم كلفة المشاريع لاي شينبينغ في حديث إلى شبكة "بي بي أس" الأميركيّة تتالي انتشار الأوبئة في الصين: "هذه هي المرّة الثانية... الأولى كانت سارس، هذه المرّة ووهان. لا نريد مرّة ثالثة."


توقّع المزيد من الأوبئة في المستقبل

بالنظر إلى صعوبة اتّخاذ تدابير إغلاق جميع مراكز تجارة الحيوانات في الصين وهي تجارة تلبّي إقبال الأثرياء الصينيّين على تناول لحوم الحيوانات الاستوائيّة، قد يكون توقّع عدم انتشار فيروسات في مرّات ثالثة ورابعة وخامسة... ضرباً من المستحيل، حتى مع تطوّر الطبّ والأبحاث الفيروسيّة. وانتشار الأوبئة وعشرات الفيروسات في العقود القليلة الماضية وعلى مختلف القارّات هو دليل على أنّها ستظلّ جزءاً لا يتجزّأ من حياة البشريّة في السنوات والعقود القليلة المقبلة على أقلّ تقدير. ما يمكن أن يخفّف من تداعياتها، وجود قرار حكوميّ جذريّ بتغيير طريقة التعاطي في النمط الاستهلاكيّ للمأكولات بل أيضاً في التوسّع العمرانيّ والاقتصاديّ على حساب الغطاء النباتيّ. ربّما يمكن أن يحفّز "كوفيد-19" الحكومات والشركات الخاصّة المختلفة على تخصيص المزيد من الأموال لفهم آليّة عمل الفيروسات في الطبيعة.

"الجوائح كالهجمات الإرهابيّة: نعلم تقريباً أماكن نشأتها والمسؤول عنها، لكنّنا لا نعلم بالضبط متى سيحدث التالي"، يؤكّد داشاك.

الكلمات الدالة

حمل الآن تطبيق النهار الجديد

للإطلاع على أخر الأخبار والأحداث اليومية في لبنان والعالم