الأنفلونزا الإسبانية: "الفيروس القاتل" الذي عاد طيفه بعد انتشار الكورونا

في تاريخ الأوبئة، تبقى الإنفلونزا الإسبانية القاتل التاريخي الذي ما زال يطاردنا بعد 100 عام، هذه المأساة العالمية قيل إنها أودت بحياة الملايين أكثر مما فعلته الحرب العالمية الأولى والثانية. لم يكن العالم قد نهض بعد من مآسي الحرب العالمية الأولى، عندما ضربت الأنفلونزا الإسبانية (1918-1919) دولاً عديدة وأصبحت وباءً قاتلاً طبع بصمته كأكثر الأوبئة خطراً في التاريخ البشري نتيجة عدد الوفيات وسرعة انتشاره. ما زال طيف هذا الفيروس يُطاردنا برغم من مرور أكثر من 100 عام على حدوثه، كان عدد الوفيات صادماً حيث أودى الفيروس بحياة حوالى 50 إلى 100 مليون حول العالم أي حوالى 50% من سكان العالم خلال موجة الوباء الثلاثة للإنفلونزا التي تراوحت بين ربيع 1918 وشتاء 1919. 

مما لا شك فيه، أن الصورة التي لدينا اليوم لوباء الأنفلونزا الذي أصاب العالم عام 1918 أكثر تفصيلاً عما كانت قبل عشرين عاماً، وهذا  ما أكده خبير الأمراض جيفري توبنبرغر بالمعهد الوطني الأميركي للحساسية والأمراض المعدية. وقال توبنبرغر "إن هناك الكثير من الأسئلة لا تزال عالقة، وقد تمكن عام 2005 بمساعدة زميلته آن ريد من كشف التسلسل الجيني للفيروس المتسبب في الوباء" وفق ما ذكرت صحيفة غارديان ( the guardian ). 

عند الغوص في عالم الأوبئة، تشير كل الأبحاث ومنها بحث نُشر في مجلة national geographic أن فيروسات عدة مرتبطة في ما بينها تتسبب بالأنفونزا ولكن سلسلة من النوع A ارتبطت بالأوبئة الفتاكة. وكان سبب الوباء 1918-1919 يعود الى الانفلونزا A او ما يُعرف بالـH1N1 والذي تمّ تسميته فيما بعد بالإنفلونزا الإسبانية. إلا أن اولى الحالات ظهرت في الولايات المتحدة في السنة الأخيرة من الحرب العالمية الأولى. 

وخلّف وباء عام 1918 خسائر بشرية فادحة إلى حد أن الكثير من الأطباء يصفونه بأنه "الكارثة الطبية الأشد فتكاً في تاريخ البشرية". إذ يرى العلماء أن سلالة الفيروس التي سببت وباء 1918، تطورت من سلالة للفيروس تصيب الطيور، قبل أن تتحور وتكتسب القدرة على إصابة الجهاز التنفسي العلوي لدى البشر. وبهذا أصبح بإمكان هذه السلالة الانتقال عبر الهواء بسهولة من شخص إلى آخر، عن طريق زذاذ السعال والعطس.

واللافت أيضاً أن أكثر ما ميّز وباء الإنفلونزا في العام 1918، كان تأثيره على حياة الشباب الأصحاء الذين تتراوح أعمارهم بين 20 الى 40 عاماً، خلافاً للأوبئة الأخرى التي كانت تؤثر على الأطفال وكبار السن فقط، ما جعل الكثيرين يصفونه بأنه أكبر وباء في التاريخ. وتشير دراسات حديثة إلى أن الفيروس نفسه، رغم أنه كان أكثر فتكاً من الأنواع الأخرى، إلّا أنه لم يكن مختلفاً جذرياً عن الفيروسات الأخرى التي سببت الأوبئة في سنوات أخرى. ويعتقد العلماء أن سبب ارتفاع معدل حالات الوفاة يعود إلى ازدحام المعسكرات والبيئات الحضرية، بالإضافة إلى سوء التغذية والنظافة الشخصية أثناء الحرب.

أما بالنسبة الى الأعراض، فقد أدت الموجة الأولى للإنفلونزا إلى أعراض خفيفة مشابهة لأعراض الانفلونزا مثل الحرارة والغثيان والتقيؤ والإسهال واحتقان الأنف والتعب... ولكن في الموجة الثانية والثالثة للفيروس كان واضحاً أنها أشد ضراوة وفتكاً وتسبب بالتهاب رئوي حاد مع ظهور بقع زرقاء، وتتسبب فيما بعد بالوفاة نتيجة نقص الأوكسجين.

ويبقى أن نعرف أن أوبئة الإنفلونزا قابلة لأن تتكرر كل بضعة عقود. ويعتقد الخبراء أن السؤال ليس "هل سيحصل الوباء من جديد" وإنما "متى سيحصل الوباء؟". اليوم أصبح الطب وعالم الأوبئة على استعداد أكثر من قبل من كيفية التعامل مع الأمراض المنتشرة والفيروسات، سواء بالتشديد على  أهمية النظافة واللقاحات، أو من خلال توفر المضادات الحيوية وطريقة العزل وتطور الفحوصات المخبرية والجينية في هذا الشأن. فهل يُعيد فيروس الكورونا الى الأذهان شبح الإنفلونزا الإسبانية؟