لماذا قد "تدعم" روسيا بيرني ساندرز في الانتخابات الأميركيّة؟

تراشق اتّهامات بين الديموقراطيّين

يوم الجمعة الماضي، أطلق المرشّح الديموقراطيّ الأوفر حظّاً الأوفر حتى الآن لمواجهة الرئيس دونالد ترامب بيرني ساندرز تحذيراً إلى روسيا كي تمتنع عن التدخّل في الانتخابات. وقال أمام مراسلين إنّ مسؤولين أميركيّين أبلغوه منذ شهر أنّ روسيا تتدخّل لصالح حملته. لكنّه أضاف: "لم يكن واضحاً أيّ دور يريدون لعبه. لقد تمّ إخبارنا أنّ روسيا، ربّما دول أخرى، ستنخرط في هذه الحملة، وانظروا، هذه هي الرسالة إلى روسيا: لا تتدخّلي في الانتخابات الأميركيّة."

أتى تعليق ساندرز بعد تقرير لصحيفة "واشنطن بوست" جاء فيه أنّ مسؤولين أميركيّين أحاطوا المرشّح الديموقراطيّ بسعي روسيّ لمساعدة حملته "كجزء من جهد للتدخّل في المنافسات الديموقراطيّة." وتوجّه ساندرز برسالة أخرى لبوتين يوم الثلاثاء: "إذا كنتُ رئيس الولايات المتّحدة، ثق بي، فأنت لن تتدخّلَ في أيّ انتخابات أميركيّة بعد اليوم."

ترك خبر التدخّل الروسيّ في الانتخابات وقعاً سلبيّاً كبيراً داخل الحزب الديموقراطيّ، إذ سرعان ما أطلق الفوضى وتبادل الاتّهامات بين المرشّحين الرئاسيّين. حملة المرشّح مايكل بلومبيرغ قالت إنّه من الطبيعيّ أن تدعم روسيا ساندرز: "إمّا يسمّون أضعف مرشّح لمواجهة دميتهم ترامب، أو ينتخبون اشتراكيّاً كرئيس". أمّا جو بايدن فتحدّث عن أنّ روسيا لا تريد انتخابه. لم يقتصر التراشق على الديموقراطيّين وحدهم. أعلن ترامب أنّ روسيا ستفضّل ساندرز الذي أمضى شهر العسل مع زوجته في الاتحاد السوفياتي.


هل من حدود ل "الدعم"؟

قد يتوقّف السعي الروسيّ المحتمل لتعزيز حظوظ ساندرز عند حدود فوزه بترشيح الحزب الديموقراطيّ. فصحيفة "نيويورك تايمس" أشارت الأسبوع الماضي إلى تحديد مسؤولين في المجتمع الاستخباريّ الأميركيّ أنّ روسيا كانت تعمل على دعم حملة إعادة ترامب.

ومع ذلك، قد يرتدّ الخبر عن دعم روسيا لحملته على حظوظه في الانتخابات التمهيديّة. فالخبر انتشر قبل حوالي أسبوعين على الثلاثاء الكبير والذي يتوجّه فيه ناخبو 14 ولاية للإدلاء بأصواتهم. لم يوضح ساندرز التفاصيل والأسباب التي تدفع الروس لدعمه. وكان ساندرز قد صوّت ضدّ قانون ماغنيتسكي سنة 2012، ممّا يمكن أن يجعله مرشّحاً مقبولاً لدى الروس.

لكن في بيان إلى موقع "أكسيوس" برّر ساندرز الموقع الجديد الذي وجد فيه نفسه متلقّياً الدعم الروسيّ: "على عكس دونالد ترامب، أنا لا أعتبر فلاديمير بوتين صديقاً جيّداً. إنّه سفّاح استبداديّ يحاول تدمير الديموقراطيّة وسحث المعارضة في روسيا. فلنكن واضحين، يريد الروس تقويض الديموقراطيّة الأميركيّة عبر تقسيمنا، وبخلاف الرئيس الحاليّ، أقف بحزم ضدّ جهودهم، وضدّ أيّ دولة أجنبيّة تريد التدخّل في انتخاباتنا."

وأضاف: "أنا لا آبه، بصراحة، لمن يريده بوتين أن يكون رئيساً. رسالتي إلى بوتين واضحة: إبقَ بعيداً من الانتخابات الأميركيّة، وكرئيس سوف أتأكّد من أنّك ستفعل ذلك."


"دعم" أهداف لا مرشّحين

قضى الأميركيّون 22 شهراً وهم ينتظرون تقرير المحقّق الخاص روبرت مولر حول احتمال تواطؤ حملة ترامب مع الروس. ووقع المجتمع الأميركيّ تحت ضغط التقارير والتكهّنات الإعلاميّة والذي زاد حدّة الاستقطابات. اتّهم مولر روسيا بالتدخّل في الانتخابات الأميركيّة حتى قبل صدور تقريره النهائيّ. لكنّه في المقابل، أعلن أنّه لم يجد دليلاً على تواطؤ حملة ترامب مع موسكو.

قد لا يكون هدف الروس مساعدة مرشّح بعينه عوضاً عن تحقيق غاية سياسيّة واحدة تحدّث عنها محلّلون أميركيّون خلال الفترة الماضية: زرع الفوضى في الولايات المتّحدة. ينتج عن هذا الهدف تقويض لثقة الأميركيّين بمؤسّساتهم، والأهمّ برؤسائهم.

لم يستطع تحقيق مولر أن ينزع الشعور الغالب لدى الديموقراطيّين بأنّ لترامب علاقات سياسيّة مع نظيره الروسيّ. وربّما لم يساعد ترامب نفسه في ذلك بسبب الإشادات التي وجّهها لبوتين في السابق، أو بسبب امتناعه مؤخّراً عن إدانة التدخّل الروسيّ في الانتخابات الأميركيّة بالشدّة نفسها التي أبداها ساندرز. وحصل ذلك خلال زيارته الأخيرة إلى الهند حين تفادى الإجابة على السؤال عبر توجيه اللوم إلى الديموقراطيّين.

والأكثر لفتاً للأنظار كان إقالته للمدير الموقت للاستخبارات الوطنيّة جوزف ماغواير الأسبوع الماضي بعد إحاطة سرّيّة قدّمتها المسؤولة في مكتبه شلبي بيرسون إلى لجنة الاستخبارات في مجلس النوّاب. وقالت بيرسون للّجنة في 13 شباط إنّ روسيا كانت فعلاً تتدخّل في انتخابات 2020 وقد "طوّرت تفضيلاً" لترامب. وأثارت إقالة ترامب لماغواير تساؤلات كثيرة واتّهامات بأنّها إقالة مسيّسة بالنظر إلى توقيتها. لكنّ مستشاره للأمن القوميّ روبرت ماغواير نفى ذلك قائلاً إنّ الأسباب هي قانونيّة لأنّه لم يكن بإمكان ماغواير البقاء في منصبه بعد 11 آذار، بسبب "قانون إصلاح الوظائف الفيديراليّة الشاغرة" الذي ينظّم التعيينات بالوكالة.


اكتمال الحلقة المفرغة؟

في هذا السياق، بإمكان فوز محتمل لساندرز بالرئاسة الأميركيّة أن يدفع الجمهوريّين إلى التشكيك بأحقّيّته في هذا المنصب. بذلك، تكون الحلقة المفرغة من التشكيك المتبادل قد اكتملت.

حدث أمر مشابه سنة 2016، حين دعم الروس في البداية حملة ساندرز قبل تحوّلهم إلى دعم ترامب. وذكر تقرير شبكة "أن بي سي نيوز" أنّ روسيا سعت لزرع الفوضى ثمّ الانتقال إلى دعم ترامب بفاعليّة في مرحلة لاحقة. وينفي الروس دوماً تورّطهم في التلاعب بالانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة.

من جهته، حذّر المستشار العسكريّ السابق براد باتي الأميركيّين والإعلام الأميركيّ من القيام بما تريده روسيا بالنيابة عنها، حيث بات العديد من الناخبين يفكّرون في روسيا طوال الوقت، ويتساءلون عمّا إذا كانوا خصومهم "عملاء روسيّين سرّيّين".

ونفى في "مجموعة الدراسات الأمنيّة" أن يهدف ساندرز بسياساته إلى خدمة الروس، حتى ولو كانت أفكاره تفعل ذلك عرضاً. فهدفه الأساسيّ من خفض الصادرات النفطيّة ليس رفع أسعار النفط خدمة لموسكو بل مكافحة التغيّر المناخيّ، أمّا سعيه لتقليص النفقات العسكريّة فنابع من وجهة نظر يساريّة-ليبيراليّة تلوم واشنطن على انحيازها للحروب.

كذلك نفى أن يكون ترامب عميلاً للروس، لأنّ الأميركيّين لم يشهدوا أيّ إدارة أضرّت بموقع روسيا الجيوسياسيّ منذ ولاية ريغان كالإدارة الحاليّة التي زادت صادرات النفطيّة فاستنزفت روسيا ماليّاً بسبب انخفاض أسعار النفط. بحسب رأيه، إنّ تبادل الاتّهامات السياسيّة والإعلاميّة حول العمالة لروسيا "له تأثير أعظم بكثير ممّا لو تمكّن الروس من زرع جميع العملاء الفعليّين" في الولايات المتّحدة.