برلين 70 - ويلَم دافو الذي يعتقد أنّه ممثّل

الممثّل الأميركي الكبير ويلَم دافو، ابن الـ٦٥ عاماً، حلّ ضيفاً على مهرجان برلين السينمائي (٢٠ شباط - ١ آذار). دافو يشارك في المسابقة بـ"سيبيريا" لصديقه آبيل فيرارا، السينمائي الذي مثل ستّة أفلام في اداراته.

اشتهر دافو بأدوار شخصيات بغيضة، ربما لأنّ تقاسيم وجهه المربّع وحضوره كانا يرشّحانه لمثل تلك الأدوار. صحيح انه لا يتألق في جديده، كما فعل في "بوابة الأبدية" لجوليان شنايبل حيث جسّد دور فان غوغ، لكنه يبقى حضوراً كبيراً، طاغياً، يأخذ الفيلم إلى حيث يريده.

في "سيبيريا"، المُشاهد مدعوّ إلى رحلة نفسية مضنية داخل عقل رجل (دافو) وحيد يتنقل على الثلج، ويسكب الخمر في كأس سيدة عجوز، يمارس الجنس مع فتاة ذات صدر عارم، يلتقي بين لحظة وأخرى بمَن هو مفترض انه والده. يعيش رجلنا العجيب هذا في تخبّط دائم داخل كوخ، بعيداً من كلّ مظاهر الحضارة. الكوخ هو أيضاً حانة. يحاول التواصل مع أحلامه وذكرياته الماضية، محاولاً فهم ما لا يفهمه، لا هو ولا المُشاهد.

عمل دافو في إدارة سينمائيين كبار، من مثل أوليفر ستون وديفيد لينتش، ومارتن سكورسيزي الذي رمى على كتفه ثوب يسوع الناصري في "التجربة الأخيرة للمسيح" (١٩٨٨)، إلا أنّ اسمه ارتبط كثيراً بمخرجَيْن: آبيل فيرارا وبول شرايدر. لا يعتبر دافو أدواره سلبية الطابع. في لقاء سابق له في كارلوفي فاري، كان يقول: "الشخصيات التي جسّدتها تعطينا رؤية أخرى للعالم الذي نراه عادة في الصحافة التقليدية. لطالما كنتُ ميالاً إلى الهامشيين، لأنّ طريقتهم في النظر إلى الحياة تساعدنا في تطوير نظرتنا إلى الحياة. بدأتُ في المسرح. المسرح هويتي الفنية وخلفيتي الثقافية. في المسرح، لا تفكّر كثيراً بالشخصية أو بتسويق مظهر خارجي معين. لذلك، لم أفكّر يوماً بتغيير أسناني، إنها أسناني في نهاية الجولة، ولا أرى فيها مشكلة".

"قديسون بوندوك" من المحطات الأساسية في مسيرته. الفيلم حظي بتوزيع محدود، ولكن معجبيه يتوزعون حول العالم. "التجربة الأخيرة للمسيح" لسكورسيزي، لا يعتبره دافو ضرباً من الشجاعة في ذاته، لأنه لم يعِ ذلك عندما عرضه عليه المخرج. لكن مشاركته فيه جعلته يُستبعد من فيلمين بعدما كان مرشحاً لهما. أما عن العمل مع لارس فون ترير الذي مثّل في إدارته ثلاثة أفلام، أشهرها "المسيح الدجّال"، فيقول دافو إنّه يحبّه ولا يمانع أن يمثّل الدور لمصلحته، ناعتاً الدانماركي بـ"المخرج العظيم" وبأنه واحد من أفضل السينمائيين في العالم.

بالنسبة لدافو، تتوقف جمالية الفيلم كثيراً على ظروفه الاقتصادية: "الكلّ يعرف ذلك، ولن أكشف سراً بالقول إنه كلما كبر حجم الأموال المستثمرة زادت سيطرة الجهة المنتجة على العمل، وكثر الطباخون (...). معظم الأفلام تهدف إلى الترفيه كي ننسى الحياة ومآسيها. أنحاز إلى السينما التي تلهم الآخرين وتجعلهم يجدون فيها مادة للتحدي والتغيير. الأكثرية لا ترتاد السينما لهذا الهدف".

يقول دافو انه لا يتذكّر ما الذي زجّ به في التمثيل. "فعلاً، لا أتذكّر. حصل هذا تدريجاً. في الكثير من المجالات الفنية، تتمرّن ثم تمتهن. لم أتمرّن إلا قليلاً، والقليل الذي تمرّنته كان في المسرح، ومن النوع الذي لا يعدك بمسار مجيد، بل بمتعة مدّتها لحظة. بعد ٢٥ سنة من بداية اندماجي بفرقة مسرحية، بدأت أقول لنفسي: أعتقد أنني ممثّل. ثم تأكدتُ من هذا الاعتقاد تدريجاً عندما بدأ المخرجون يسندون إلّي الأدوار، فمرة أخرى قلتُ لنفسي: لا بدّ أنني ممثل. احتجتُ إلى كلّ هذا الوقت كي أصدق أنني ممثل!".