الـ"سيزار" تعاقب عبد اللطيف كشيش!\r\n

جوائز "سيزار" السينما الفرنسية تُسلّم قبل يومين من موعد توزيع الـ"أوسكار". تعاني الجائزة من عامل المقارنة مع شقيقتها الأميركية، التي تكبرها بـ47 دورة، وتتجاوزها من حيث عدد المتابعين والانتشار والتغطية الإعلامية. على الرغم من انها تُسند الى العاملين في السينما الفرنسية منذ 1976، تاريخ إبتكارها على يد جورج كرافين، لم تصل الجائزة الى الانتشار الدولي الواسع ولم تثر دائماً حماسة السينيفيلية الدولية كما هي الحال مع الـ"أوسكار". لعل أول أسباب بقائها في اطارها المحلي الضيق، مرتبط بعدم انتشار السينما الفرنسية في بلدان كثيرة. فمن الصعب والحال هذه، جذب الانتباه بحدث اعلامي وثقافي واحتفالي حيث معظم الأفلام المكرمة لم يصل الى الجماهير الواسعة. حتى في فرنسا، حيث حصة السينما المحلية من السوق هي الأعلى أوروبياً (33 في المئة من الأفلام المعروضة العام الماضي على الشاشات كانت فرنسية)، كثر لم يشاهدوا أياً من الأفلام المرشحة لـ"السيزار". فمثلاً، أمام فندق "فوكيتس"، وبعد عودة النجوم من مسرح "شاتليه" مساء أمس، استرعى انتباه شابة فرنسية الحشد الذي هناك في انتظار وصول الفائزين. ثم عندما انتبهت للأمر، قالت لصديقها: "هيّا لنرحل، هذا تكريم للسينما الفرنسية. لا مشاهير عندنا".


عفواً للازعاج!


الممثل والمخرج غيوم غاليين كان الرابح الأكبر في هذا الحفل ونجمها الأوحد، فـ"اضطر" الى اعتلاء خشبة المسرح مرات عدة، قبل أن يعتذر قائلاً: "آمل انكم لم تملوا مني". حصل غاليين على خمس جوائز "سيزار" عن فيلمه "الأولاد وغيوم، الى المائدة!"، الذي نزل الى الصالات الفرنسية في تشرين الثاني الماضي، واستقطب مذذاك نحو مليوني مشاهد. في أيّار الماضي، كان مرّ في كانّ، ولكن ليس في الاختيار الرسمي، بل خارجه. غاليين، البالغ من العمر 42 عاماً، تدرب في معهد "فلوران" الشهير، قبل أن ينضم الى الـ"كوميدي فرانسيز" عام 1998. شارك في نحو 30 فيلماً، آخرها "ايف سان لوران" لجليل لسبر، اضطلع فيه دور عشيق المصمم الفرنسي النابغة. "الأولاد وغيوم، الى المائدة!" فيلمه الأول بصفته مخرجاً، يستند الى عناصر من سيرته الذاتية، وتحديداً من مرحلة الصبا حين كان غيوم تساوره الشكوك الجندرية، اذ كان مقتنعاً بأنه بنت وليس شاباً، في حين كان محيطه كله يعتقد بأنه مثليّ. يعود الفيلم الى كل تلك الأشياء التي علقت في ذهن المخرج، بدءاً من علاقته بأمه وصولاً الى حبه للنساء، بأسلوب كوميدي سلس يُعتبر أفلمة لاستعراض كان قدّمه غاليين على المسرح. يتطرق الفيلم بنمط يترجح بين الضحك والانفعال الى قضية الهوية الجنسية، التي أسالت الكثير من الحبر في الآونة الأخيرة في المجتمع الفرنسي، ولا سيما لدى الجماعات اليمينية المحافظة التي تتبنى موقفاً حازماً ضد زواج المثليين والسحاقيات بحجة حماية العائلة وقيمها. قبل نحو اسبوع، أقدمت واحدة من هذه الجماعات على المطالبة بمنع عرض فيلم "طومبوي" لسيلين شياما على محطة "آرتي" الثقافية، كونه يصوّر فتاة في العاشرة تتظاهر بأنها صبي، وتقيم علاقة ملتبسة مع فتاة من عمرها.


اذاً، نال "الأولاد وغيوم، الى المائدة!" (في الصالات اللبنانية بدءاً من الخميس المقبل) خمس جوائز من بين عشر ترشح لها، هي من بين أهم الجوائز، تاركاً للآخرين فتافيت: أفضل فيلم، أفضل باكورة، أفضل ممثل (غاليين)، أفضل مونتاج وأفضل اقتباس. المفارقة ــ كما نلاحظ ــ انه نال جائزتي "أفضل فيلم" و"أفضل باكورة" معاً، ذلك ان القانون المعمول به في الـ"سيزار" لا يمنع ترشح أيّ فيلم للجائزتين المذكورتين. للانصاف، هذه ليست المرة الاولى، يحمل فيها اعضاء الأكاديمية سينمائيين مبتدئين من الظل الى الضوء. نتذكر كلاً من سيريل كولار، برونو نويتان، انييس جاوي. كل هؤلاء انطلقوا مع الـ"سيزار" الفرنسية!


السينمائي النزق


يحملنا هذا الى فيلم آخر، أثار نقاشاً واسعاً بعد نيله "السعفة الذهب" في كانّ العام الماضي، ولا يمكن الحديث عن الـ"سيزار" من دون ذكره: "حياة اديل - فصل 1 و2". فيلم عبد اللطيف كشيش حظي بدعاية سيئة في الاعلام: مرة أدان الفريق التقني ما سمّاه "ظروف عمل غير انسانية"، ومرة جاء السهم من جهة الممثلتين (خصوصاً ليا سايدو) اللتين كشفتا تفاصيل عن عملية التقاط المشاهد. وهذا على الرغم من الحماسة الاستثنائية التي ابدتها الصحافة المتخصصة تجاه "قلعة سينمائية" لا يمكن نكران أبعادها الجمالية والسينمائية والفكرية. رُشِّح الفيلم الى ثماني جوائز "سيزار" لم ينل منها الا تلك التي ذهبت الى أديل اكساركوبولس، الممثلة ذات السنوات العشرين التي أدهشت العالم بأدائها الناضج والمتمكن. جائزة كانت أكثر من متوقعة. أمّا كشيش، فلم يحضر الحفل، ربما لاحساس مسبق عنده بأنه ستتم مقاصصته من جانب أعضاء الأكاديمية على أساليبه التي قيل انها متسلطة ومحقرة، لم يوافق عليها جزء كبير من العاملين في مجال السمعي البصري، إذ يبدو ان الكيدية قالت كلمتها في التصويت. هناك مَن قال حتى ان الجائزة المسندة الى غيوم غاليين لم تكن كرمى فيلمه بل نكاية بفيلم كشيش. أياً يكن، فهذا سمح للأخير بأن يلتحق بالفيلمين الفرنسيين اللذين نالا "السعفة" ولم ينالا الـ"سيزار"، وهما "بين الجدران" للوران كانتيه (2008) و"تحت شمس ابليس" لموريس بيالا (1987). مرة أخرى، فوّتت الأكاديمية العابسة في وجه كشيش، فرصة مهمة لتكريم سينمائي من طينة نادرة، هي التي سمحت له بالحصول على ثمانية تماثيل ذهبية مع فيلمين سابقين له. ماذا تغير بين الأمس واليوم؟ ما الذي دفع بالأكاديمية الى اعلان حرب صامتة على كشيش؟ هل ثمة أسباب سياسية؟ هل هي مواقفه الداعمة لعمدة نيس، النائب اليميني كريستيان استروزي؟ أمّ مناهضته لهولاند وتوقيع عريضة ضده، بعد اعلان قرار لتحسين اوضاع التقنيين في السينما؟


مفاجأة بولانسكي!


بيد ان اللغز الأكبر تمثل في اسناد واحدة من اهم الجوائز إلى رومان بولانسكي: "أفضل مخرج". بولانسكي بدا متفاجئاً بهذا الفوز حدّ انه نسي ان يشكر ممثليه. هذا ليس انتقاصاً من عملاق السينما الذي انجز فيلماً جميلاً اسمه "فينوس بالفراء" عن نصّ مسرحي لديفيد ايفز، وشارك ايضاً في الاقتباس. المسرحية مأخوذة من رواية لساشر مازوش. توما (ماتيو امالريك) مخرج يستعد لتقديم مسرحية مازوش. ذات مساء، وهو يتهيأ للخروج من المسرح بعد يوم عمل مضنٍ لم يعثر فيه على ممثلته، تصل الى المسرح امرأة اربعينية (ايمانويل سينييه) ترجوه ليمنحها فرصة كي تثبت له مدى اهتمامها بالدور وبقدرتها على تجسيده. خلال مشاهدتنا، ندرك لماذا انجز بولانسكي هذا الفيلم الذي اعاده الى العمل باللغة الفرنسية: ينطوي العمل على كل المواضيع التي سبق ان عالجها بطريقة او بأخرى، من علاقة المهيمِن بالمهيمَن عليه الى السادية فالسلطة النسائية، الخ.


الجنس نجم الحفل


في دورة طغت عليها أفلام ذات طابع جنسي، خاسرٌ آخر كان مرشحاً لثماني جوائز: "غريب البحيرة" لألان غيرودي. نال الفيلم الذي انتخبته مجلة "دفاتر السينما" أفضل فيلم لسنة 2013 جائزة واحدة، اخذها بيار دولوندونشان بصفته "أفضل طاقة شبابية". هناك ايضاً "الماضي" لأصغر فرهادي الذي لم ينل أيّ جائزة، على الرغم من ترشحه لخمس منها. مفاجأة أخرى: اسناد جائزة أفضل ممثلة إلى ساندرين كيبرلان عن دورها في "تسعة أشهر" لألبر دوبونتيل (أفضل سيناريو أصلي)، الجائزة التي كانت متوقعة لليا سايدو ("حياة أديل"). وفي رأينا ان ايمانويل سينييه كانت تستحقها ايضاً للأداء البديع الذي قدمته في فيلم بولانكسي.


من مفارقات الحفل ايضاَ ترشح ماريزا بوريني، وهي والدة كارلا بروني، زوجة ساركوزي، عن دورها في "قلعة في ايطاليا" لفاليريا بروني تيديسكي في فئة أفضل دور ثانوي، وهي الفئة التي ضمّت أيضاً عشيقة الرئيس الفرنسي الحالي فرنسوا هولاند، نعني بها جولي غاييه التي قدمت اداء لافتاً في "كي دورسيه" لبرتران تافيرنييه. بيد ان أديل أنيل هي التي سرقت الجائزة منهما عن دورها في "سوزان" لكاتيل كيليفريه. ونالت غاييه حصة الأسد من لقطات القطع عليها، بعد انكشاف علاقتها مع الرئيس فرنسوا هولاند. أما جائزة أفضل فيلم أجنبي، فمن بين سبعة أعمال مرشحة، كان التمثال الذهبي من نصيب "انهيار الدائرة المكسورة" لفيليكس فان غرونينغن، المرشح ايضاً لـ"أوسكار" أفضل فيلم أجنبي. الخاسر الأكبر في هذه الفئة كان "الجمال العظيم" لباولو سورنتينو، هو ايضاً المرشح خلف الأطلسي، وفي الفئة نفسها، فهل يتكرر المشهد هذا المساء؟


سكارليت والفرنسيين


شارك في الحفل الذي قدمته الممثلة البلجيكية سيسيل دو فرانس، مشاهير من مثل جيريمي ايرنز وكوانتن تارانتينو. سلّم الأخير مواطنته سكارليت جوهانسون جائزة فخرية لمجمل أعمالها، تبدو مبكرة بعض الشيء، اذ ان الممثلة الشابة لم تبلغ بعد الثلاثين من عمرها، علماً انها بدأت تمثل وهي في الرابعة عشرة وانجزت أفلاماً في ادارة مخرجين كبار منهم وودي آلن. الممثلة كانت قد انتقلت للعيش في العاصمة الفرنسية قرب حبيبها الفرنسي رومان دورياك، ومع انها كانت متحمسة في البداية لمكان اقامتها الجديد، يبدو انها لم تستسغ أهل باريس الذين لقبتهم بـ"العدائيين وقليلي التهذيب". وهنا، لم ينتقم منها الأكاديميون.