الكتلة الوطنية: عدم دفع سندات الأوروبوندز يجب أن يأتي ضمن خطة إنقاذية واضحة

أكد الأمين العام لـ"الكتلة الوطنية" بيار عيسى خلال مؤتمر صحافي في مقر الكتلة اليوم، "أن لبنان بحاجة لإعادة هيكلة لدينه العام وليس لإعادة جدولة، فيما عدد عضو اللجنة التنفيذية في الكتلة النائب السابق روبير فاضل 7 أسباب توجب الامتناع عن تسديد استحقاقات الـ"أوروبوندز" ولاسيما ضرورة الحرص على ألا يأتي حل الأزمة على حساب المودعين، وضرورة إعطاء الأولوية لتوظيف احتياطي مصرف لبنان من العملات الصعبة في تغطية الاحتياجات الأساسية للمواطنين من قمح ونفط وأدوية وغيرها.

وقال عيسى: "إن سندات الأوروبوندز هي بالمختصر دين الدولة بالعملة الأجنبية والسؤال المطروح اليوم هو هل لبنان سيدفع أو لا استحقاق 9 آذار منها؟ ومن يطالب بدفع هذا الاستحقاق يختبىء وراء مصداقية لبنان، ولكن هذه المصداقية مرغت بالتراب منذ 30 عاماً، والذل الذي يقاسيه المواطنون على أبواب المصارف ليقبضوا حفنة من الدولارات من أساس أجورهم يعني أن استرداد المصداقية لن يتم إلا عبر إصلاحات جدية والسؤال هو ليس إذا ندفع أو لا إنما هل نجري إصلاحات أو لا، وإذا قررنا أن نقوم بإصلاحات فأي منها ومن يقوم بها ومتى".

أضاف: "كثر يتحدثون اليوم، بعد أن رأوا أن عدم تسديد استحقاقات الـ"أوروبوندز" أصبح حتمياً، عن إعادة جدولة الدين أي أن نؤجل الاستحقاقات في حين أن لبنان بحاجة لإعادة هيكلة الدين أي أن نخفض أصل الدين وقيمته الكاملة".

وأشار إلى "أن كل ذلك يتطلب خطة إنقاذية، وكلنا نتحدث عن أزمة واحدة، ولكن في الواقع لدينا 4 أزمات، هي أولاً أزمة اقتصادية تقوم على العبور من الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد منتج للثروات ولفرص العمل". ولفت إلى "أن هناك الأزمة المالية التي تقوم على العجز في الدولة المستمر سنة بعد أخرى، فإذا اعتبرنا الدولة شركة وهي تخسر كل سنة قيمة العجز ولديها مجلس إدارة ومدير وكل سنة تخسر، فالمسؤولية هنا مشتركة ولكنها تقع أيضاً علينا كشعب لأننا بقينا نجدد لمجلس الإدارة هذا ولهذا المدير".

وأضاف: "هناك الأزمة النقدية العارمة حالياً بسبب فقدان العملة الصعبة في البلد عموماً ولدى الدولة خصوصاً. ونتج عن هذه الأزمات الثلاث أزمة اجتماعية كبيرة وهي ما زالت في بدايتها. إن سبب كل ذلك هو نموذج اقتصادي غير مستدام أي أن لدينا دولة تنفق أكثر بكثير من وارداتها فنقع في العجز، وكذلك نحن بلد يستورد أكثر بكثير مما يصدر أي أنه يدفع عملة صعبة أكثر بكثير مما يدخلها إلى البلد، وهذا الأمر كنا نعالجه عبر الاستدانة وأموال المغتربين، ولكن هذه الأموال هي كذلك دين لأنهم يودعون أموالهم مقابل فائدة وشرط استردادها واليوم حجزت المصارف أموالهم".

واعتبر عيسى "أن هذا النموذج الاقتصادي لا يمكن أن يستمر ويجب تغييره ليصبح قائما على الاستثمار وعلى الإنتاجية".

وعن وضع خطة للأزمات قال عيسى: "إنها تقوم على قرارات ولاتخاذ القرارات يجب توافر أمرين: أولاً المعلومات وثانياً معرفة أسباب الأزمة وإلا ستقتصر معالجتنا على ظواهر الأزمة".

ولفت إلى "أن المعلومات غير متوافرة لأنه هناك سياسة الدولة والمصرف المركزي قائمة على التعتيم فليس بمقدورنا أن نعرف ما هي الأرقام لجهة احتياطي مصرف لبنان والربح والخسارة لديه وقطع حساب الدولة التي تقر موازنات من دونه، في حين أن وضع الخطة يتطلب شفافية كاملة كي تكون فعالة".

وأضاف:"أما لجهة تحديد أسباب الأزمة فهي اثنتان: سياستنا الخارجية المتناقضة بالكامل مع النموذج الاقتصادي لدينا الذي يعتمد على التبادل مع الغرب ودول الخليج، أما السبب الثاني فهو سوء الإدارة الذي يرتكز على العلل الخمس من طائفية وزبائنية وفساد وإقطاع سياسي وتبعية للخارج".

وذكر عيسى بما قاله النائب جميل السيد: "لقد قال النائب السيد بصريح العبارة إن التسوية التي توافق عليها كل أحزاب السلطة والتي أوصلتنا إلى هنا عبارة عن كلمتين "لكم فسادكم ولنا سلاحنا"، أي السياسة الخارجية والنموذج الاقتصادي المبني على الفساد والزبائنية والاثنين لا يبنيان أوطاناً وهذه التسوية لا تحل المشكلة إنما على العكس هي أوصلتنا إلى ما نحن عليه اليوم".

وعن المسؤوليات قال: "إنها تقع على الجميع ولكن خصوصا على أحزاب السلطة التي منذ 30 عاماً ما زالت متربعة عليها وتحتكرها، وعلى المصرف المركزي وعلى قطاع المصارف أيضاً".

وتابع: "الحكومة اللبنانية تجتمع في هذه الأثناء وقصدنا أن نعقد المؤتمر الصحافي بالتزامن معه لأن مجلس الوزراء المدعوم من معظم أحزاب السلطة التي حضرت جلسة الثقة وإن لم تمنحه إياها، وهو كان عالما بوجود استحقاق 9 آذار ولم نسمع من أحد أي خطة أو رؤية أو تصريح، لا قبل الاستقالة ولا بعدها ولا قبل التكليف ولا بعده ولا قبل التشكيل ولا بعده".

أضاف: "أستغرب كيف يمكننا أن نؤمّن لهم وكيف يمكن أن يثقوا ببعضهم بعضاً فكل الأحزاب سواء الداعمة للحكومة أو التي خرجت منها تحاول تصوير نفسها في المعارضة ليتنصلوا من المسؤولية على غرار الرئيس فؤاد السنيورة الذي يقول لا يجب أن ندفع، فهل معنى ذلك أننا لا يجب أن ندفع الدين الذي وقع عليه بنفسه والذي قبل به بفوائد ضخمة لتمويل الفساد والزبائنية والمحاصصة، فهذا الأمر لا يبرئ الرئيس السنيورة ولا شركاءه، وفي المقابل نرى "التيار الوطني الحر" يدعو إلى تظاهرة أمام المصرف المركزي متناسياً أنه من جدد لحاكمه وإن كان ينتقده وهو استفاد من بعض الهندسات المالية بطريقة مباشرة أو غير مباشرة".

وقال: سرقونا وسرقوا أموالنا عبر ألاعيبهم والقوانين الانتخابية الموضوعة على قياسهم واليوم يحاولون سرقة الثورة ولكن هذه التصرفات لن تمر والناس جاعت وأصبحت ترى الحقيقة، فالمعارضة الوحيدة والحقيقية هي الموجودة في الشارع وفقط في الشارع وهي الناس".

وأردف: "اليوم أصبح عندنا أحزاب السلطة والأحزاب - الطوائف والقطاع المصرفي من جهة، والناس في الجهة الأخرى، ولا أحد يدعي من الموجودين في مجلس النواب وفي الحكومة والإدارات بأنه في المعارضة، وبالنتيجة كل شيء يبدأ بإصلاحات حقيقية وبنيوية".

من جهته، أوضح فاضل أن "الحكومات تصدر سندات حين تحتاج إلى اقتراض مبالغ كبيرة من المال لتمويل العجز في موازناتها والسندات لها تاريخ استحقاق، وهذا يعني أنه في تاريخ ما، يتعين على الحكومات المستدينة أن تسدد قيمة السندات للمستثمرين وبالإضافة تدفع الحكومات للمستثمرين فوائد دورية إلى حين استحقاق تاريخ السندات". ولفت إلى أنه "بالنسبة إلى الأوروبوندز، فهي سندات دين محررة بعملة أجنبية غير العملة المحلية للبلد الذي أصدرها".

وذكر أن "الحكومات اللبنانية المتعاقبة امتهنت منذ ثلاثين عامًا سياسة الاستيدان المفرط غير المحسوب والذي أوصل البلد إلى الانهيار المالي والاقتصادي، والذي تتوزع مسؤوليته بين السلطة السياسية، المصرف المركزي والمصارف التجارية".

وأشار إلى أن "هذا الملف مصيري وحيوي لعدد كبير من اللبنانيين حيث إن دفع استحقاقات الدين سيأتي على حساب قوت وصحة الشعب اللبناني، وأن المماطلة وغياب الشفافية تبقيان سمة السلطة السياسية والقطاع المصرفي وهذا يشكل عاملاً إضافياً لانعدام الثقة بهما".

وتناول المسؤولية عن الأزمة القائمة محملاً إياها لكل من أحزاب السلطة والحكومة والمصرف المركزي والمصارف التجارية. ولجهة مسؤولية أحزاب السلطة والحكومة، قال: "إن المماطلة في التكليف ومن ثم التأليف، على الرغم من الاستحقاقات المالية في 9 آذار 2020 ومن الأزمات العاصفة بالبلاد، عرض الشعب اللبناني لمخاطر إضافية متقدمة تهدد حياتهم اليومية".

وتابع: "لذا تؤكد الكتلة الوطنية والمجموعات الحاضرة أن لا ثقة بالسلطة السياسية وحكومتها، وأن استبدالها بحكومة سيادية مشكلة من وزراء قادرين ومستقلين وأسياد نفسهم هو الشرط الأساس للقيام بالإصلاحات المطلوبة لنجاح عملية إعادة هيكلة الدين العام".

وعن الأسباب الموجبة للامتناع عن دفع الأوروبوندز، عدد فاضل 7 نقاط هي الآتية:

1 - لا تملك الدولة اللبنانية الأموال الكافية لتسديد الـ"أوروبوندز" المستحقة في 9 آذار 2020 والاستحقاقات اللاحقة.

2 - قد استعانت الدولة في السابق بالمصرف المركزي لتغطية عجزها عن سداد ديونها المستحقة، غير أن هذا الطرح مرفوض حالياً نظراً إلى تضاؤل احتياطي المصرف المركزي بالعملات الأجنبية.

3 - ضرورة الحرص على ألا يأتي حل الأزمة على حساب المودعين، وخصوصاً الصغار منهم، الذين وظفت المصارف ودائعهم في المصرف المركزي، حيث تبلغ قيمة مستحقات الـ"أوروبوندز" حوالي 4.5 مليار دولار في العام 2020، أي ما يعادل ودائع 2 مليون لبناني. ويجدر الذكر هنا، أن القوانين تحفظ الأولوية للمودعين على حساب حقوق حاملي السندات.

4 - ضرورة إعطاء الأولوية لتوظيف احتياطي مصرف لبنان بالعملات الصعبة في تغطية الاحتياجات الأساسية للمواطنين من قمح ومحروقات وأدوية وغيرها، والتي تقدر قيمتها بين 5 و7 مليارات دولار سنوياً.

5 - عدم توفر العملات الصعبة سيكون له نتائج كارثية على النشاطات التجارية والصناعية والزراعية وسيؤدي إلى موجة جديدة من الصرف من العمل لاسيما أن ما يقارب 220 ألف لبناني سبق أن خسروا وظائفهم في القطاع الخاص حسب إحصاءات "Infopro".

6 - إن الدائنين اليوم على علم بواقع لبنان المالي وبالتالي هم يتوقعون إعادة هيكلة الدين العام، خصوصاً على ضوء انخفاض قيمة الأوروبوندز حتى 30% من قيمتها الإسمية. بما أن لبنان يملك كمية محدودة من العملات الصعبة، فإن كل سند يسدده يزيد من فرص عدم سداد الاستحقاق التالي، مما يجعله أكثر عرضة للصناديق التضاربية الشرسة ويضاعف المشكلة في المستقبل، لأنه يحفز حاملي سندات الـ"أوروبوندز" التي تستحق لاحقاً على بيع سنداتها.

7 - إن التخلف عن الدفع وفي حال تم التعامل معه بجدية وضمن خطة إصلاحية، لن يكون عائقاً أمام استعادة لبنان قدرته على الاستدانة في الأسواق المالية العالمية، وبفوائد منخفضة، كما برهنت التجارب في أكثر من بلد".